العجز عن التغيير لا بل عن فهمه
يخطئ الاسلاميون السودانيون لو ظنوا أن التاريخ يمكن أن تعاد صناعته ويعطى نفس النتائج وفق منهج عملياتى يريد أن يختبر فى المجتمع ما يختبر فى مختبرات العلوم البحتة، ورغم أن التاريخ والمجتمع يتبدل أمام النواظر والبصائر فإن البصائر النافذة وحدها قادرة على إكتناه مدى عمق التغيير وسعة التحولات التى سيحدثها، فإبن خلدون بعد أن كتب مجلداته التسعة عن تاريخ الأمم جلس لاربعة أعوام يتأمل فيما كتب قبل أن يكتب المقدمة، بل إن السبب الرئيس الذي حداه لكتابة المقدمة هو ما أبانه في الصفحات الأولى من مقدمته: إن الانسان كأنما يتبدل من أصله والبشرية كأنما تستأنف من جديد. أما إذا غادرنا القرن العاشر الذى كان يُبصر عبره إبن خلدون تحولات البشرية الجذرية ويعجز الذين ولدوا فى القرن الحادى والعشرين عن لمس تلك التحولات التى تعصف بهم، وجدنا وزير الخارجية البريطانى هارولد ماكميلان يخبر بكل ما أوتى الانجليزي من لباقة فى خطابه عام ١٩٦٩ الجماعة العنصرية فى جنوب افريقيا والذى اشتهر باسم ( خطاب رياح التغيير ) : بوصفى عضو رفيق فى الكمنولث أقول إننا نرغب صادقين فى دعمكم وتشجيعكم ولكنى أتمنى ألا يقلقكم إن قلت لكم بصراحة إن جوانب من سياستكم تجعل ذلك الدعم مستحيلاً إلا إذا قبلنا أن نخون مبادئ نؤمن بها حول حقوق ومصائر الشعوب الحرة.