الشهادة السودانية في زمن النزاع: عدم تساوي الفرص وغياب العدالة بين الطلاب
أمستردام: كمبالا/ الثلاثاء 15 أكتوبر 2024: راديو دبنقا
قال معلمون ومدراء جامعات سابقون وأولياء أمور، إن إجراء امتحانات الشهادة السودانية لدفعة 2023 (العالقة)، المقرر لها أواخر ديسمبر القادم، يمثل خطوة مهمة، إلا أن تنفيذها يتطلب ترتيبات محكمة.
وأكدوا أن نجاح هذه الامتحانات يستدعي وقف العدائيات وفتح ممرات آمنة للطلاب والمعلمين خلال فترة الامتحانات وعمليات الكنترول والتصحيح.
كما حذروا من المخاطر الأمنية المتزايدة في بعض المناطق، حيث يشكل الصراع تهديداً مباشراً على أرواح الطلاب والمعلمين.
ولم يتسنَ لراديو دبنقا الحصول على تعليق من وزارة التربية والتعليم، لكن وفقاً لتصريحات منسوبة للمفوض بأعمال وزارة التربية والتعليم أحمد الخليفة، فإن عدد الطلاب المسجلين قبل الحرب للجلوس لامتحانات الشهادة 2023 بلغ 535,848 طالبًا وطالبة، بينهم 510,106 مسجلين بالمساق الأكاديمي.
وأوضح الخليفة أن العدد النهائي للطلاب والمراكز سيتم تحديده بعد انتهاء التسجيل.
22 ألف طالب في غرب ووسط دارفور
أشار الخليفة أيضاً إلى أن عملية التسجيل جارية في الولايات والمراكز الخارجية، لا سيما في دول الجوار.
وأقر بأن من أكبر التحديات التي تواجه وزارته وضع طلاب دارفور في الولايات المتأثرة بالنزاع، حيث يعيش العديد من هؤلاء الطلاب في معسكرات اللاجئين على الحدود السودانية التشادية.
وأفاد بأن عدد الطلاب المسجلين لامتحانات 2023 في غرب دارفور قبل اندلاع الحرب بلغ 11 ألف طالب، وهو عدد مماثل لما تم تسجيله في وسط دارفور.
وفي ظل عدم الاستقرار، أصبح من المستحيل إجراء الامتحانات في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع.
ومع ذلك، أشار المفوض إلى أن الوزارة طرحت معالجات تشمل تخصيص مركزين للطلاب في تشاد، الأول في مدرسة الصداقة السودانية التشادية في انجمينا، والثاني في مدينة أبشي، وذلك لضمان توفير بيئة آمنة للطلاب لإجراء امتحاناتهم.
طباعة الامتحانات
مدير الامتحانات بوزارة التربية والتعليم، عماد عبد القادر، أعلن في وقت سابق أن امتحانات الشهادة السودانية للعام الدراسي 2024 ستعقد في فبراير 2025.
وأكد خلال مداخلة هاتفية على تلفزيون السودان أن الامتحانات المؤجلة لعام 2023 ستجرى في موعدها المحدد في 28 ديسمبر 2024.
كما كشف عن طرح عطاء لطباعة الامتحانات، موضحًا أن عملية الفرز لاختيار المطبعة ستتم خلال اليومين المقبلين، على أن يبدأ التنفيذ فور اختيار الجهة المناسبة.
آراء أولياء الامور
الدكتور محمد طه يوسف الأمين، المدير السابق لجامعة الجزيرة وولي أمر لطالبتين في هذه الدفعة العالقة، أكد في مقابلة مع راديو دبنقا، أن امتحانات الشهادة السودانية تمثل محطة قومية حاسمة لكل السودانيين.
وأشار إلى أن إيقاف التعليم في 1400 مدرسة يؤثر على نحو 14 مليون طالب، وهو إحدى أكبر تداعيات الحرب المستمرة.
وأضاف أن تدهور البنية التحتية للمدارس والوزارات التعليمية يزيد من تعقيد المشهد التعليمي.
التحديات الأمنية والتكاليف
تحدث يوسف عن أهمية توفير الحماية الأمنية للامتحانات وقال إن السؤال الأهم الذي يطرح نفسه هو مسألة الحماية الأمنية في ظل استمرار الحرب، حيث تمتد العمليات العسكرية من شرق الخرطوم بحري إلى الكدرو، ومن الكدرو إلى جنوب الخرطوم، لذلك فان العمليات العسكرية في هذه المناطق تشكل تهديداً كبيراً على سلامة الطلاب والمعلمين العاملين في الامتحانات، مما يستدعي ضرورة النظر في تأمين المواقع التعليمية بشكل مكثف. إلى جانب ذلك، منع تسريب الامتحانات في ظل هذا الوضع الحرج.
وأعرب عن قلقه بشأن التكاليف المالية الباهظة التي تتحملها الأسر لتسجيل أبنائهم في المناطق الآمنة، مطالباً الوزارة بالنظر في هذه المسألة وعدم الضغط على أولياء الامور بما يفوق إمكانياتهم.
وطالب يوسف، بصرف كافة استحقاقات العاملين والمعلمين لضمان نجاح الامتحانات واستمرارها، ودعا طرفي الصراع إلى إعلان هدنة شاملة، مع التزام صارم بتنفيذها من قبل قيادة الجهتين، على أن لا تقتصر فقط على فترة الامتحانات، بل يجب أن تشمل أيضاً أعمال الكنترول والتصحيح.
ونبه في نهاية حديثه إلى تحدٍ كبير يجب أن تنتبه إليه مؤسسات التعليم العالي، وهو الاستعداد لاستيعاب التدفق الكبير للطلاب بعد نجاح عملية الشهادة السودانية، وقال إن دخول عدد من الدفعات في وقت واحد سيؤدي إلى تكدس كبير، مما سيخلق أزمة حقيقية في الجامعات.
مخاوف المعلمين
عبر عدد من المعلمين الذين تحدثوا مع راديو دبنقا، عن مخاوفهم جراء قيام امتحانات الشهادة السودانية في ظل التحديات الأمنية واللوجستية التي قد تعيق نجاحها، مشددين على ضرورة وقف إطلاق النار وفتح ممرات آمنة لضمان سلامة الطلاب والمعلمين.
واوضح ممثل لجنة المعلمين السودانيين بولاية نهر النيل، مصعب عبدالجليل، عن ترحيبه بإعلان وزارة التربية والتعليم إجراء امتحانات الشهادة السودانية، مشيراً إلى أنها خطوة إيجابية طال انتظارها لمدة عام ونصف.
وأكد أن الموقف المبدئي والثابت للجنة هو أن العملية التعليمية يجب ألا تتوقف تحت أي ظرف من الظروف، مشددًا على ضرورة أن يحصل كل طالب على فرصته العادلة في التعليم.
وقف العدائيات
ومع ذلك، أشار عبدالجليل إلى أن هناك خطوات أساسية يجب اتخاذها قبل إجراء الامتحانات لضمان أن تتم في ظروف عادلة ومنظمة.
وأوضح أن وقف إطلاق النار والأعمال العدائية هو شرط أساسي للسماح للطلاب بالجلوس للامتحان في بيئة آمنة، وأن الاستقرار الأمني يجب أن يكون الأولوية.
كما طالب بفتح ممرات آمنة للطلاب والمعلمين طوال فترة الامتحانات، سواء في أعمال الامتحان أو الكنترول أو التصحيح.
كما شدد على ضرورة تحقيق العدالة بين الطلاب، مطالبًا بمرونة في إجراء الامتحانات حتى يتمكن السواد الأعظم من الطلاب السودانيين من المشاركة، مع الأخذ في الاعتبار معالجة أوضاع الطلاب الذين حالت الظروف دون مشاركتهم في الامتحانات.
فيما يتعلق بالمعلمين، أوضح ممثل اللجنة، أن أوضاعهم في معظم الولايات سيئة للغاية، حيث لم يتسلموا رواتبهم بشكل كامل منذ اندلاع الحرب، مما يجعل من الصعب عليهم القيام بواجباتهم بشكل كامل.
ورغم أن ولاية نهر النيل تصرف الرواتب بشكل أفضل مقارنة ببقية الولايات، إلا أن التضخم جعل تلك المرتبات بالكاد تكفي.
ولفت إلى أن حقوق المعلمين، بما في ذلك استحقاقات أعمال الكنترول والتصحيح والمراقبة، هي عوامل أساسية لضمان سير الامتحانات بنجاح.
غياب العدالة
اوضحت المعلمة مي عبد اللطيف، أن إجراء الامتحانات في الوقت الراهن سيؤدي إلى عدم العدالة بين الطلاب، حيث لا يمكن مقارنة طالب يعيش في ولاية آمنة تمكن من استكمال دراسته ومراجعة مقرراته وهو في حالة نفسية مستقرة، بطالب آخر يعاني من ويلات الحرب، فقد أفراد عائلته وتدمرت بيته ومدرسته.
وأضافت مي أن الامتحانات في ظل هذه الظروف ستمثل ظلماً لبعض الطلاب، حيث قد لا يتمكن طلاب الولايات المتأثرة بالنزاع من الوصول إلى المناطق الآمنة لإداء الامتحانات.
كما أشارت إلى أن المعلمين أنفسهم يواجهون ظروفاً صعبة، حيث أنهم لم يحصلوا على مستحقاتهم المالية، مما يجعل مشاركتهم في تنظيم الامتحانات أمراً صعباً.
ولفتت إلى أن الدولة لم تلبِ حقوق المعلمين الأساسية، متسائلة كيف يمكن إجراء الامتحانات في ظل هذه الظروف غير الآمنة.
وختمت بضرورة وقف الحرب لضمان إجراء امتحانات الشهادة السودانية بصورة آمنة وعادلة.
ظروف مأساوية للمعلم والطالب
من جانبها أكدت المعلمة بالمرحلة الثانوية آيات سر الختم، أن امتحان الشهادة، يشكل مرحلة مصيرية للطلاب حتى في زمن السلم، ويتطلب تأميناً كاملاً، وتوفير الموارد المالية والمعلمين، إلى جانب تهيئة نفسية مناسبة للطلاب.
وأعتبرت ان الوضع في زمن الحرب يجعل عقد الامتحانات أمراً شبه مستحيل لعدة أسباب، منها أن الطلاب بين قتلى وجرحى ونازحين ولاجئين، بالإضافة إلى أن استحقاقات المعلمين لم تُمنح بشكل كامل، مما يعيق تنظيم الامتحانات بصورة سليمة.
وأكدت ان المعلمين، الذين يلعبون دوراً محورياً في الامتحانات، يعيشون ظروفاً مأساوية، وأن المناطق الآمنة المتاحة لا تكفي لإقامة امتحانات بهذا الحجم، مطالبة بتأجيلها حتى تتحسن الأوضاع.
هيبة التعليم
مقابل ذلك اعتبر المعلم بالمرحلة الثانوية علاء الدين، إن تحديد موعد الامتحانات خطوة إيجابية تعكس رغبة الدولة في استقرار التعليم، ويعكس هيبتها وسيطرتها على الوضع الحالي، وقدرتها على توفير الآليات والمقومات اللازمة لإجراء الامتحانات.
وأكد أن القرار يظهر مدى أهمية التعليم، خاصة في وقت انصرف فيه العديد من الطلاب عن الدراسة واتجهوا للعمل لدعم أسرهم التي تعيش أوضاعاً مأساوية.
واعتبر علاء الدين أن القرار كان ضرورياً، مؤكداً أن تأخير الامتحانات أكثر من ذلك سيؤدي إلى تراكم الدفعات، مما يخلق خللاً تنظيمياً في التعليم ويثقل كاهل الدولة في معالجة هذا التراكم.
وأضاف أن تأجيل الامتحانات لفترة أطول قد يؤثر سلباً على سمعة التعليم وهيبة الشهادة داخل وخارج البلاد.
و رغم اعترافه بأن المنافسة بين الطلاب قد تكون غير عادلة لكنه أشار إلى أن الظروف الراهنة تتطلب استعداداً كاملاً لضمان سير الامتحانات بسلاسة، مع مراعاة الفجوة بين الطلاب النازحين والمستقرين.
17 مليون خارج المدرسة
وكانت منظمة الامم المتحدة للطفولة “اليونسيف” قد أشارت إلى أنه لا يزال أكثر من 17 مليون طفل من أصل 19 مليون طفل في سن الدراسة خارج المدرسة في السودان.
وتضررت مئات المدارس منذ بداية الصراع في أبريل 2023، واستخدمت العديد من المدارس الأخرى كملاجئ للنازحين، ما أدى إلى تقييد الوصول إلى التعليم في المناطق التي فُتحت المدارس فيها جزئياً.
ويبقي اجراء امتحانات الشهادة السودانية في ظل الحرب، تحدياً كبيرا يتطلب التنسيق بين جميع الأطراف المعنية لضمان نجاح العملية وسلامة الطلاب والمعلمين، مع الأخذ في الاعتبار التحديات الأمنية واللوجستية التي يواجهها الطلاب في المناطق المتأثرة بالنزاع.