الشاعر أزهري محمد علي: يتقاتلون لقتلنا !
أمستردام:13 فبراير 2024 :راديو دبنقا
اعتبر الشاعر أزهري محمد علي أن الحرب اندلعت بشكل طبيعي كثورة مضادة لثورة التغيير والوعي التي انتجها الشعب السوداني في ثورة ديسمبر وأن السودانيين يعيشون هذه الأيام ظروفاً مختلفة ومعقدة كنتيجة للحرب المدمرة التي تدور في بلادنا. وقال أزهري محمد علي في لقاء مباشر على منصات دبنقا بمواقع التواصل الاجتماعي أن الأوضاع تزداد تعقيدا بانقطاع الاتصالات خلال الأيام الماضية حيث ينتابنا إحساس بالحزن وبالعدمية لأننا نحلق في فضاء بعيد عن شعبنا الذي لا يستطيع الاستماع إلينا في هذا المباشر. كما وأنه غير قادر على الاستماع لأي صوت قادم عبر وسائل التواصل ما يعيد شعبنا إلى ظلامات عهود تخطتها الإنسانية وعبرت منها وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي والانترنت جزءاً أساسيا من حقوق الإنسان في كل شبر وفي كل موقع وفي كل مكان. وأشار إلى أن شعبنا في حالة استثناء بسبب هذه الحرب وتداعياتها وخبثها ومكرها المستمر وخصوصا لجهة حرمان شعبنا من أساسيات الحياة.
التاريخ لن يغفر للقوى المتحاربة
وناشد الشاعر أزهري محمد علي العالم للالتفات إلى ما يعانيه الشعب السوداني الذي يخطط البعض لمحوه من ظاهر الأرض إلى باطنها رغم أنه وفي الظروف الحالية لا يجد مكانا يدفن فيه موتاه تحت الأرض وتفوح رائحة الجثث والقتلى في الشوارع. ووجه أزهري محمد علي نداء لكل شعوب الكرة الأرضية، وخصوصا العارفين بفضل السودان، وشعبه بأن الشعب السوداني لا يستحق ما يجري في السودان. وذكر القوى المتحاربة في السودان بأن التاريخ لن يغفر لهم وأنه ما زالت هناك فرصة لطي هذه الصفحة القاتمة من تاريخ السودان والخروج من هذا الجدار السميك الذي نقف أمامه بكل ظلاماته ومظالمه وتعقيداته السياسية والعسكرية.
انتشار خطاب الكراهية
وشدد أزهري محمد علي على أن الحرب التي اندلعت في 15 أبريل وتدخل الآن شهرها العاشر هي حرب مختلفة لأنها ولأول مرة حرب مدن وحرب شوارع بالكامل وأنها إذا استمرت ولم تكن هناك أصوات عاقلة لإخمادها ستقود لدمار كبير. وحذر أزهري محمد علي من أن هذه الحرب مرشحة للانزلاق والتحول إلى حرب أهلية في كل المدن بالنظر إلى طبيعة التركيبة المجتمعية في السودان وحالات التنوع العرقي والإثني والديني والجهوي والقبلي. وهناك آلة تقف من وراء هذه الحرب وتخطط للمزيد من التصعيد ومزيد من الانزلاق وهي آلة سياسية وعقائدية تشعل اوار هذه الحرب وكل ما فلتت الأمور من بين أيديها ستلجأ لسوقنا إلى الحرب الأهلية. صحيح أن السودان شهد حروبا في السابق ودارت لعقود من الزمان وفي كل مرة توقفت فيها الحرب عادت من جديد بسبب قوى الإسلام السياسي التي تحولها دائما لحرب عقائدية وفق فعل منظم لخطاب الكراهية ودعوات العنف وانتشار السلاح خارج المؤسسة العسكرية عبر تصعيد حرك التحشيد والتمليش بتعدد مسمياتها. وأضاف أن المناخ السائد في الحرب الحالية يختلف تماما عن المناخ الذي ساد في الحروب التي شهدها جنوب السودان ودارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وفي مناطق شرق السودان حيث كانت لهذه الحروب ميادينها ومعسكراتها ولم تكن حروب شوارع. هذه الحرب هي دون شك نتاج لخطاب الكراهية المنتشر الذي ساهمت فيه السلطة الحاكمة منذ العهد البائد عبر عبارات ومفردات مثل التي كان يستخدمها الرئيس المعزول. ويمتلك خطاب الكراهية القدرة على التنامي ما لم تكن هناك مصدات من الوعي المجتمعي والعمل التنويري عبر إيمان المثقفين والمستنيرين بدورهم في هذه المرحلة التاريخية الحرجة.
حرب ضد المجتمع المدني
ووصف أزهري محمد علي هذه الحرب بأنها حرب ضد المجتمع المدني وأنهم “يتقاتلون لقتلنا”، لذلك على المجتمع المدني الانتباه والخروج من حالة الاصطفاف مع أي جانب أو معسكر من معسكرات هذه الحرب المدمرة والعبثية كما أسماها قادتها.
ودعا أزهري المجتمع المدني للتماسك وأن تتجاوز خلافاتها بالرغم من أنه من الطبيعي أن تكون هناك خلافات. فالنزاع القائم في السودان له ثلاثة أبعاد، خلاف عسكري-مدني، وخلاف مدني-مدني وخلاف عسكري-عسكري وما يحدث الآن هو الخلاف العسكري-العسكري بعض أن بعض الكيانات التي تسمي نفسها بالمدنية لكنها استطاعت استغلالها بكثير من الخبث للهيمنة على القرار العسكري في الكثير من قواتنا النظامية في الجيش والشرطة وجهاز الأمن وهو أمر لم يعد مخفيا ولم يعد الحديث بشأنه سر.
وقال أزهري محمد علي أن الخلاف المدني-المدني أمر طبيعي بتعدد مشارب السياسيين وهو علامة عافية طالما كانت المرتكزات الوطنية مرعية ومحافظ عليها وبما يقود لفكرة المجتمع المدني وفكرة الديمقراطية بمعناها الشامل. ونوه إلى أن تماسك المجتمع المدني ضروري لتحقيق قفزة نوعية خارج الظلام لخلق جبهة مدنية تحترم التنوع وتحترم التنوع باعتبار أن هذه مزايا وليست عيوب. وأكد أزهري محمد علي على أن هناك حاجة أصوات عقلانية في هذه المرحلة تقودنا إلى الخروج من أزماتنا ومن حروبنا الحالية والسابقة.
ثلاث رسائل
وفي ختام المباشر، وجه أزهري محمد علي ثلاث رسائل، الأولى لقادة القوات المسلحة ولقادة الدعم السريع “اقول لهم أن ما يحدث لا يليق بشعبنا وأن هذه الحرب قضت على الأخضر واليابس وأننا دمرنا الدولة وسنكون مضطرين للبدء من الصفر. أمامنا الآن أكثر من باب للخروج من هذه الحرب إن تحلى هؤلاء القادة بالروح السودانية وأن يتحلوا بالمهنية المطلوبة لأداء أدوارهم الوظيفية للخروج من هذا المأزق التاريخي.
الرسالة الثانية للنخب السياسية والثقافية والاجتماعية بشكلها التقليدي والحداثي التي عليها أن تعي دورها التاريخي في الخروج بشعبنا من هذا المأزق التاريخي بالتحامنا بصدق مع قضايانا الأساسية بعيد عن الاصطفاف وبعيد عن التحشيد وبعيد عن التمليش وبعيد عن حالات الدعشنة التي يمكن أن تفضي بنا إليها هذه السكك العصية.
الرسالة الأخيرة هي لمزيد من التذكير لشعبنا السوداني في المناطق المختلفة التي لجأ إليها السودانيون في خارج السودان وفي مناطق النزوح في داخل السودان، في دور الإيواء والمعسكرات بأن هذه الحرب ليست حربنا وأنها صنعت لتلتهمنا جميعا. لذلك لا بد من أن نتضامن وأن نتماسك وأن نتقارب بمحبة وأن نسقط الخطاب العنصري الذي يحاول سوقنا إلى حالة اصطفاف قطيعي لا يشبهنا.