السودانيون في مصر: التعسف في استخدام القانون
أمستردام: الاثنين 17 يونيو 2024: راديو دبنقا
أبعدت سلطات محافظة اسوان المصرية الحدودية مع السودان، المئات من السودانيين يوم الأربعاء 12 يونيو 2024 واعادتهم إلى معبر ارقين الحدودي بين البلدين. وبحسب مبعدون تحدثوا في تسجيلات استمع إليها راديو دبنقا فان سلطات محافظة اسوان ارجعت أكثر من 16 حافلة تقل سودانيين كانت في طريقها إلى القاهرة واعادتهم إلى معبر ارقين الحدودي بين السودان ومصر. وذكر المبعدون في التسجيلات ان متوسط عدد الركاب في البص الواحد يصل إلى 60 راكبا بينهم أطفال ونساء وكبار سن.
وأشاروا إلى أن اوضاع إنسانية قاسية واجهتم في الطريق مع ارتفاع درجات الحرارة حيث لا تحمل الاسر معها القدر الكافي من المأكل والمشرب مما فاقم من معاناتهم. كما أشاروا إلى وجود الكثير من ذوي الامراض المزمنة أو الذين خضعوا لعمليات جراحية مؤخرا بين المبعدين وناشدوا المنظمات الإنسانية بالتدخل الفوري.
ولم يعرف بعد أسباب الابعاد حيث تعذر الاتصال بالسلطات المصرية في اسوان لمعرفة أسباب الابعاد. ورجحت مصادر ان تكون أسباب الابعاد الدخول إلى مصر بطرق غير مشروعة.
تضاعفت أعداد السودانيين 6 مرات
اتصل راديو دبنقا بالأستاذ أشرف ميلاد روكسي، المحامي والمدافع الحقوقي، وطرحت عليه عددا من الأسئلة حول أوضاع السودانيين في جمهورية مصر العربية بعد اندلاع حرب 15 أبريل 2023.
بداية سأل راديو دبنقا الأستاذ أشرف ميلاد روكسي أعداد السودانيين الذين نزحوا بعد الحرب إلى مصر. وقد أجاب المدافع الحقوقي عن هذا السؤال قائلا أنه يكفي أن نعرف أن عدد السودانيين المسجلين لدى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين من طالبي لجوء ولاجئين من السودان في 15 أبريل 2023 كان عددهم 57 ألف شخص، فيما وصل العدد في يوم 31 مايو 2024 إلى 167 ألف شخص أي بزيادة تصل إلى 6 مرات. وإذا أخذنا في الاعتبار أن عدد طالبي اللجوء واللاجئين قد تزايد في هذه الفترة بحوالي 310 ألف شخص، فيمكن أن نقدر بسهولة أن عددهم سيتجاوز نصف المليون بنهاية العام.
السودانيون يمثلون أكثر من 50% من طالبي اللجوء
وأضاف الأستاذ أشرف ميلاد روكسي في حديث لراديو دبنقا أن العدد الكلي للاجئين وطالبي المسجلين في المفوضية من كل الجنسيات بلغ في 31 مايو 2024 يصل إلى 646 ألف شخص، أي أن السودانيين يتجاوزون نسبة 50% من العدد الكلي. وإذا رجعنا قليلا إلى الوراء، كانت نسبة السودانيين المسجلين في المفوضية تفوق إلى 75% في العام 2002 لكن مع موجات النزوح التي تلت الربيع العربي وقبلها نزوح العراقيين في العام 2005 والذين وصل عددهم إلى 60 ألف شخص، تراجعت نسبة السودانيين في أوساط اللاجئين. لكن بعد اندلاع الحرب العام الماضي، عادت أعداد السودانيين للتزايد بشكل كبير.
ضعف إمكانيات مفوضية اللاجئين
وأوضح الأستاذ أشرف ميلاد روكسي المحامي لراديو دبنقا أن المفوضية تعمل طوال أيام الأسبوع لتسجيل هذه الأعداد الكبيرة وتتسبب ضخامة الأعداد في تأخير المواعيد بالنظر لإمكانيات المفوضية والقوى البشرية العاملة فيها. ورغم تحويل المفوضية لعدد من موظفيها من مختلف الأقسام للعمل في تسجيل طالبي اللجوء الجدد، إلا أن ذلك لم يحقق النتائج المنتظر ومازال الواصلين في أكتوبر ونوفمبر وديسمبر من العام الماضي ينتظرون الموعد المحدد لهم لمجرد التسجيل.
تعسف في استعمال الحق
ومضى الأستاذ أشرف ميلاد روكسي المحامي للقول بإن تقديرات غير رسمية تشير إلى أن أعداد السودانيين الذين دخلوا مصر يصل إلى 600 ألف وأن 205 ألف منهم دخلوا بطرق غير مشروعة. ووصف المدافع الحقوقي ما ينقل من إجراءات تتخذها السلطات المصرية بترحيل السودانيين بأنه تعسف في استخدام الحق، بمعنى أن أي بلد من حقها أن تبعد أي شخص دخل أراضيها متسللا وإن كان ذلك يتعارض مع مبدأ “عدم الرد” في القانون الدولي خاصة فيما يتعلق ما نسميه نحن القانونيين بالدخول غير النظامي أو قيام الشخص بالدخول متسللا إلى دولة أخرى لأن تلك قد تكون الطريقة الوحيدة المتاحة للشخص لينجو بحياته.
طلب اللجوء حق قانوني
وشدد أشرف ميلاد روكسي المحامي في حديث لراديو دبنقا بأن السلطات المصرية تقوم بترحيل السودانيين والذين لم ينجحوا في الوصول للتسجيل في المفوضية. ولو أن هؤلاء الأشخاص عبروا الحدود بشكل غير نظامي ومن ثم قاموا بتسليم أنفسهم إلى أقرب ممثل للسلطة باعتبار أن هذه الطريقة الوحيدة التي ينجو بها، فمن المفترض ألا توقع عليه عقوبة وألا يرحل طبعا لأنك في هذه الحالة تحرم الشخص من حقه في طلب اللجوء في أقرب بلد آمن.
الانتظار الطويل
ونوه الأستاذ أشرف روكسي ميلاد على أن السياق الطبيعي هو أن مجرد التسجيل في المفوضية يحول دون الترحيل نظريا، لكن التسجيل يتطلب الانتظار لفترات طويلة قد تصل إلى ما يزيد عن 5 أشهر. الحصول على ورقة من المفوضية أو رسالة على الهاتف المحمول يعتبر دليل على أن التأخير ليس من جانبه وأنه تقدم بطلب اللجوء للمفوضية.
هنالك مشكلة أخرى تتعلق بوجود مقر المفوضية في العاصمة القاهرة فيما يصل يصل السودانيون عن طريق أسوان التي تبعد 960 كيلومتر عن القاهرة، وفي حال إيقافه وسؤاله عن تأشيرة الدخول، يكون هذا الشخص مثل الأعزل في ميدان القتال. أي أنه بدون حماية بسبب عدم وصوله للمفوضية وهو ما يتيح للسلطات المصرية التعسف في استخدام الحق في ترحيل الأشخاص الذين دخلوا إلى أراضيها بشكل غير نظامي.
استحالة الحصول على التأشيرات
على صعيد آخر، استطلع راديو دبنقا أراء عدد من السودانيين الذين دخلوا الأراضي المصرية مؤخرا بدون الحصول على تأشيرات دخول مسبقة. ويتحفظ راديو دبنقا في الكشف عن هوياتهم بالنظر لما قد يمثله ذلك من مخاطر على أوضاعهم في مصر. واتفق كل من تحدثنا إليهم على استحالة الحصول على تأشيرات الدخول بشكل نظامي حيث تطول فترات الانتظار لخمسة أشهر، كما أن السلطات القنصلية المصرية تمتنع في حالات كثيرة عن منح التأشيرة لجميع أفراد الاسرة، الأمر الذي يدفع من لم يحصلوا على التأشيرة بشكل نظام للحاق بعائلاتهم بكل الطرق.
تكلفة مالية باهظة
ويضاف إلى ذلك أن الحصول على الموافقة الأمنية ليس بالمتاح للجميع بالنظر إلى تكلفتها المالية الباهظة والإلزام باستخدام مصر للطيران للوصول إلى مصر عبر مطار القاهرة وعدم صلاحيتها للمعابر البرية. ويشكو السودانيون من التعقيدات الإدارية والبيروقراطية في الإجراءات المتعلقة بتنفيذ قرار السلطات المصرية بتوفيق أوضاع من دخلوا بدون تأشيرات. فبجانب التكلفة المالية، يتعرض المعنيون للابتزاز من الموظفين في الجهات الحكومية المعنية وفق إفادات تحصلت عليها راديو دبنقا ويفتح ذلك الباب واسعا أمام السماسرة واللجوء لدفع الرشاوي لإنجاز الإجراءات.
ضرورة زيادة منافذ المفوضية
نفس المسلك بدأ يظهر حتى في التعامل مع إجراءات المفوضية، حيث ظهرت مكاتب وسماسرة يتولون تسهيل وتسريع إجراءات التسجيل بمقابل مادي قد لا يكون متوفرا لكثير من الوافدين بسبب الحرب. كما أن تمسك المفوضية بالاكتفاء بمنفذ واحد للإجراءات وعدم وجود منفذ في أسوان ينظر إليه باعتباره تواطؤً من المفوضية مع شروط السلطات المصرية.
ويعبر السودانيون الوافدون إلى مصر جميعا عن أمنياتهم بتوقف الحرب في السودان حتى يستطيعوا العودة إلى بلادهم وينأون بأنفسهم عن هذه التعقيدات، بينما تخشى السلطات المصرية من تكرار تجربة حربي جنوب السودان ودارفور وبقاء أعداد كبيرة من اللاجئين بعد انفصال الجنوب وسقوط نظام البشير وتفضيلهم للبقاء في مصر، إما في انتظار إعادة التوطين في بلد آخر، أو البقاء بشكل دائم في مصر التي أصبحت مستقرا لهم.