الخبير في فض النزاعات عبدالله ديدان: هذه ليست حرب كرامة ولا من أجل الديمقراطية
الخميس 26/ سبتمبر/2024م: راديو دبنقا
تقرير: سليمان سري
حذر الخبير والمختص في فض النزاعات وبناء السلام عبدالله ديدان، من خطورة تأثير الحرب على مستقبل السودان، جراء استمرار استهداف المدنيين، ما يؤدي لإبادة شعب كامل بتمدد رقعة الصراع وتدمير البنى التحتية للوطن، مشيرًا إلى أن ذلك يعد من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي تخالف القانون الدولي الإنساني، والمعايير الدولية المعنية بقواعد الاشتباك.
واستنكر في ظل استهداف المدنيين، الشعارات التي يرددها كل طرف من أنها حرب كرامة ومن أجل الديمقراطية، وقال في مقابلة مع “راديو دبنقا” إنَّ هذه الحرب ليست حرب كرامة أصلًا، كما يردد قادة الجيش ومؤيديهم، كما أنها ليست من أجل الديمقراطية، كما يردد قادة قوات الدعم السريع.
وأوضح أن كرامة السودانيين في تجنبيهم ويلات هذه الحرب وليس في قتلهم ولا في تشريدهم واغتصابهم. منوهًا إلى أن الديمقراطية لا تأتي بالقتل والتشريد والقصف المدفعي، وأكد أنها حرب تمارس ضد الشعب السوداني وتقود إلى إبادتهم بالجوع والقتل والتشريد، وأضاف: فالشعب السوداني ليس معني بها ولا تخدمه في شيء وإنما تعمل على إبادتهم وتدمير البنية التحتية للوطن وإشاعة الفقر.
إشاعة الفقر:
واعتبر القيادي في المجتمع المدني، والمدافع عن حقوق الإنسان، عبدالله ديدان في المقابلة مع “راديو دبنقا”، أن هذه الحرب تسببت في إشاعة الفقر، وقال إن السودانيين أصبحوا فقراء بسبب هذه الحرب صاروا عاطلين عن العمل، كما تسببت في التدهور الاقتصادي الكبير وتشريد وضياع المواطنين، وأدت إلى تحويل أطفال السودان إلى أميين فضلًا عن موتهم بالجوع والأمراض وسوء التغذية، وتابع: الآن انقطعت رحلتهم في التعليم.
وحذر من أن هذا الأمر سيؤثر على مستقبل البلاد ومستقبل الاطفال والذين هم مستقبل السودان، وقال: إنَّ هذا الأمر سيكون تأثيره كبير على التنمية البشرية في السودان، وتدمير المرافق الصحية وسيعمل على توطين الأوبئة والأمراض في السودان مشيرًا إلى أن 70% أو 80% من المرافق الصحية خارج الخدمة حسب التقارير الدولية من المؤسسات الصحية.
وأرجع ذلك الدمار بسبب القصف المدفعي وقصف الطيران وتبادل اطلاق النار وسط المدنيين وتحويل المؤسسات إلى ثكنات عسكرية، محذرًا من أن هذا الدمار سيمنع مجابهة الأوبئة والأمراض التي تنتشر في السودان ويمكن أن يحولها لأمراض مستوطنة في السودان. ما عده مهدد آخر للتنمية البشرية، ولحياة السودانيين وقال: “لأننا سنجابه بعد إيقاف الحرب الأمراض وانتشار الأوبئة بكثافة في السودان.
حادثة البص جريمة حرب:
وأشار الخبير في فض النزاعات إلى حادثة استهداف البص السياحي الذي أدى لمقتل 28 شخصًا بينهم أسرة كاملة، الإثنين السادس عشر من الشهر الحالي بمسيرة في منطقة طيبة الحسناب في طريقه من مدينة ربك بولاية النيل الأبيض إلى الخرطوم، ووصف الحادث بالمؤسف وقال إنه جريمة حرب تضاف لسجل الجرائم المرتكبة أثناء هذه الحرب، محملًا الطرفين المسؤولية.
واعتبر عبدالله ديدان في مقابلة مع “راديو دبنقا” أن هذه الحرب متعددة الاطراف وقال من الصعب حصرها بين طرفين فقط، الجيش وقوات الدعم السريع لعدة أسباب، بداية إن هنالك أطراف أخرى حاملة للسلاح تشارك في هذه الحرب، أبرزها كتائب البراء والعمل الخاص وكتائب الظل التابعة لتنظيم الحركة الإسلامية والقوات المشتركة التابعة للحركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام جوبا وغيرها، بينما تقاتل مع الدعم السريع مجموعات مثل التي تسمى شعبيًا “بأم باغة” وغيرهم.
وقال ديدان: إن ذلك جعل هذه الحرب غير خاضعة لمعايير القانون الدولي الانساني وقوانين الاشتباك المسلح المتعارف عليها دوليًا والمناط بهم حماية المدنيين في مناطق القتال. وتجنبيهم ويلات الحرب والعمل على عدم ممارسة القتال والاشتباكات في مواقع تواجد المدنيين. تابع: “لذلك ارتكبت انتهاكات واسعة من كل الأطراف المشاركة في كل مناطق القتال سواء كان في الخرطوم أو الجزيرة أو ولايات دارفور وغيرها.
وأرجع ذلك إلى عامل آخر يتمثل في أنها حرب مدن وأن الطرفان يستخدمان كل أنواع الأسلحة المدفعية الثقيلة والطيران والمسيرات وسط المدنيين، وقال: إن هذا يجعل المدنيين عرضة للقتل العشوائي ويمنح الطرفين فرصة الإنكار، واتهام بعضهم البعض لعدم وجود فرق محايدة لحماية المدنيين ومراقبة أوضاع حقوق الإنسان سواء كانت وطنية أو دولية معنية بذلك.
وقال إن هذه الفرق لاوجود لها على الأرض لكنه استدرك قائلًا: ” إنَّ هذا غير ممكن في ظل هذه الحرب الفوضوية التي يمارس فيها القتال بشكل عشوائي. وأعتقد أن غياب فرق الحماية يصعب من إمكانية وجود رصد دقيق”.
تعطل جهاز الدولة:
وعبر القيادي المدني عبدالله ديدان عن أسفه لما وصفه بتعطل جهاز الدولة المعني بحماية المدنيين وقال لا يوجد جهاز للدولة الآن، واعتبر ما وصفها “بحكومة بورتسودان” غير شرعية وغير معنية أصلًا بحماية المدنيين، وأعاب على وزارة الصحة أنها ليس لديها إحصائيات دقيقة بعدد القتلى من المدنيين مشيرًا إلى أن هذا الدور مناط بها وأردف: “لكنهم لا يكترثون لذلك كما أن الوزارة لا تعمل عبر هياكلها ولا مؤسساتها”.
وقال إنَّ حادثة البص إذا أخضعناها لتعريف القانون الدولي الإنساني فهي جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية وانتهاك صارخ لحقوق الإنسان ولحق حماية المدنيين. ورأى بأنه لا فرق بين الجيش السوداني إنَّ أقر أو رد على اتهام قوات الدعم السريع له بأنه هو مفجر البص أو لم يرد لأن الانتهاكات منذ 15 أبريل 2023م منذ اندلاع الحرب، متواصلة في كل بقاع السودان بحيث لم يعد في السودان مناطق آمنة لكل السودانيين.
وأضاف ديدان: “سواء كان المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش أو تلك التي خاضعة للدعم السريع، واستنكر ما يسمى بالمناطق الآمنة، وقال ما هو آمن لسودانيين فهو غير آمن لسودانيين آخرين. مشيرًا إلى أن هنالك جرائم قتل واعتقال تعسفي، إخفاء قسري، جرائم اغتصاب، كل هذه الجرائم ممارسة في كل السودان فلا يوجد مكان آمن لكل السودانيين.
صعب تحديد الجهة:
واعتبر الخبير في فض النزاعات وبناء السلام، عبدالله ديدان في حديثه مع “راديو دبنقا” أن حادثة البص مؤشر لتطور استهداف المدنيين، يمكن استهدافها من الدعم السريع أو الجيش، أو المستنفرين، ورأى أنه من الصعب تحديد الجهة التي استهدفت البص لكنها تظل هي جريمة حرب.
واستطرد، قائلًا: حسب ما قرأنا وتابعنا أنها تمت في المناطق الخاضعة لسيطرة الدعم السريع، وبالتالي هذا يرجح أن عملية القصف من الطرف الآخر من الجيش أو المستنفرين أو المجموعات المتحالفة معه. واستبعد أن يكون القصف من الدعم السريع وقال من ناحية عسكرية لا يمكن أن يقصف الدعم السريع نفسه في مناطق سيطرته.
توثيق الانتهاكات:
وأكد عبدالله ديدان على أهمية الإعلام بالقيام بدور كبير في تسليط الضوء على مثل هذه الجرائم والانتهاكات، ودعا القوى المدنية ومنظمات المجتمع المدني للتركيز على التوثيق لهذه الجرائم الواسعة النطاق والشاملة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي ترتكب بحق المدنيين السودانيين في كل أنحاء السودان.
وأوضح أن الغرض من التوثيق، التوفر على سجل واسع، يمكِّن الناس بعد إيقاف هذه الحرب من ملاحقة الجناة ومسائلتهم ومحاسبتهم، على هذه الجرائم الواسعة النطاق التي ارتكبت بحق المدنيين والمواطنين السودانيين.
واعتبر أن واحدة من أسباب استمرار هذه الانتهاكات منذ أول حرب في السودان في العام 1955م “إلى يوم الناس هذا”. هو الإفلات من العقاب وعدم المحاكمة والمسائلة والمحاسبة على هذه الجرائم.
وحذر من أن الإفلات من العقاب يشجع دائما أطراف النزاعات المسلحة في السودان على ارتكاب المزيد من الجرائم وعدم الاكتراث لحماية المدنيين ولحياتهم، ولفت إلى أنه تطور لافت أن يتم قصف بص سياحي يحمل مدنيين هم في الأصل ضاقت بهم أرض السودان.
وقال: إنهم متحركين من مدينة ربك حاضرة ولاية النيل الأبيض متجهين إلى العاصة الخرطوم، التي تشهد معارك ضارية لأنهم لم يستطيعوا البقاء هناك بسبب عدم توفر الحياة الممكنة لهم في مراكز الإيواء.
وقال إن البؤس الذي يعيشونه وعدم الحصول على المساعدات الإنسانية وغيره من الأسباب، ولذلك اضطروا للعودة إلى منازلهم التي هجروها في الخرطوم في ظل هذه الحرب والقصف وتابع قائلًا: “حقيقة ضاقت بهم الأرض بما رحبت وهذه واحدة من المضايقات التي يتعرض لها الناس وغيرها في المناطق الآمن”.
لا توجد مناطق آمنة:
وأعاد التأكيد: عندما أقول لا توجد مكان آمن لكل السودانيين في كل السودان وفي مختلف مدن السودان وقراه، بغض النظر عن أنها خاضعة لسيطرة من فيهم سواء كان الجيش أو الدعم السريع، هذا واحد من الأسباب التي تجعل المدنيين عرضة للموت بقسوة”.
وشدد على أن هنالك نقطة مهمة في هذه الحرب تتعلق باستخدام الطائرات المسيرة بشكل فوضوي والقذائف شديدة الانفجار، دون رقابة ومسؤولية من الطرفين. معتبرًا أنها من المهددات الأمنية على المدنيين.
وقال ديدان: ” هذا الأمر يبرز الأسئلة حول كيفية الحصول على المسيرات بهذه الكثافة واستخدامها العشوائي والفوضوي لقصف المدنيين ولقصف بعضهم البعض، الأطراف المتقاتلة، وهي تسببت في كثير من جرائم القتل المرتبكة بحق المدنيين هذا إذا أضفنا لها القصف المدفعي الذي تمارسه الأطراف والقصف بالطيران الذي يقوم به الجيش حتى في القرى والأرياف التي لا يوجد بها أي مظاهر عسكرية.