الخبير الاقتصادي د. حامد التجاني لـ”راديو دبنقا”: الجنيه السوداني فقد 50% من قيمته، والحديث عن الاقتصاد في ظل الحرب قطرة ماء في بحر متلاطم
إيرادات الذهب جزء كبير منها تذهب الي الإمداد العسكري والتشوين والجيش وهذه المتحركات تصرف أموال ضخمة
لا يمكن التخطيط الاقتصادي في ظل الحرب، لأن لا أحد يستطيع أن ينتج ما دام الصراع مستمر
المعادلة القادمة لابد من وقف هذه الحروب وتذليل أسباب هذه الحروب، والسياسيين الذين يتاجرون بالحروب لابد من وضع نهاية لهم.
حوار: محمد سليمان
• بداية دكتور حامد التجاني كيف تنظر الي لمآلات هذه الحرب والصراع؟
في البداية نترحم على أرواح الشهداء والجرحى والموتى من أهلنا في السودان. الشعب السوداني عانى وشرد من بلاده. ونسبة لغياب الرؤية السياسية من الذين تولوا مهام فترة الإنتقال وفشلوا في توحيد إرادة السودانيين وفي مشروع وطني يتفق عليه أهل السودان، ويكون هناك إجماع حتي تخرج البلد من فترة الاختناق والانتقال. لكن للأسف الساسة جزء منهم كان ينقصهم التجربة وجزء منهم كان يفتقدوا للهمة وكان جزء منهم يهمهم مآربهم الذاتية وجزء منهم لديهم مشاريع إنتقامية لتصفية حسابات ولم يدركوا أن البلد لا تبني بالإقصاء، والبلد للجميع والحكومة يتم تداولها بين الناس وكل مرة يأتي شخص ويذهب ويبقي الوطن، ولكن الساسة في السودان رؤيتهم ضيقة والواحد يهتم بوجوده في الكرسي ووجوده يعني ديمومته في الكرسي وعلى حساب الوطن. هذا الحرب فتحت أفاق الناس وجعلتهم يهتمون بأمرهم. أفتكر أن هناك إجماع وطني والشعب السوداني داعم للقوات المسلحة لأنها الركيزة الأساسية للدولة ولابد أن تنتصر، لأنه هناك مشاريع تخطط في الخارج لتقسيم وتوزيع البلاد وتقطيع اوصالها. فلذلك مهم جداً إدراك هذه الأطماع على السودان من دول الجوار والدول التي تريد أن تقسم السودان وموارده وأهله فلذلك لابد من إدراك هذا التآمر الكبير. الخطر الذي يواجه السودان لا تمثله قوات الدعم السريع فالدعم السريع الي زوال وقوته الحقيقة انكسرت وعلى الناس الإسراع وخاصة القوات المسلحة لتحقيق انتصار إستراتيجي مهم في مناطق مهمة ويفتحوا الباب لحوار وطني عريض يجمعوا فيه شمل السودانيين. وما تبقي من الدعم السريع يعملوا على إدماجها في الجيش أو تسريحهم ومحاكمة الذين ارتكبوا الجرائم في حق الشعب السوداني، واسترداد الأموال. والإبادات التي تمت في دارفور وللمساليت لا يمكن أن تروح في خضم هذا التهريج السياسي. والمهم هو توحيد الإرادة السياسية وأن يكون الجميع سودانيين أصالة عن بلدهم ويحافظوا عليها بأي ثمن ولا يمكن أن نفرط في وحدة السودان وقواته المسلحة ومؤسسات الدولة من أجل أجندة مدعومة خارجياً ومجموعات تأتي من خارج الحدود للاستيلاء على البلاد وفرض إرادة جديدة. وهذه تحتاج الي صبر ولا يوجد بيت في السودان لا يعاني حتي المقيمين في الخارج أرصدتهم الذي يملكونها في السودان انتهت والآن يعولون أسر لذلك لابد من تكاتف الجميع حتي نخرج من هذه الوهدة.
• ما هي السنياريوهات المتوقعة للاقتصاد السوداني في ظل انخفاض سعر العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية ؟
الحديث عن الاقتصاد في ظل الحرب هي قطرة ماء في بحر متلاطم، وإذا كان الحديث عن سعر العملة الوطنية أمام أي عملة أجنبية في ظل الحرب. الآن أفتكر أن سعر العملة أكثر استقرارا في ظل الحرب مقارنة مع الدول التي شهدت حرباً مماثلة. لان تكلفة الحرب عالية جداً والاقتصاد يتقلص، ولا توجد أرقام حقيقة في ظل الحرب والنزوح وتعطل مشاريع كبيرة والناس كلها دخلت في دائرة الفقر، وهناك متغيرات كثيرة يصعب عليك أن تحاول أن تقيم الرقم الحقيقي، والأرقام الموجودة كلها تقديرات من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومن مؤسسات مالية بالإضافة الي وزارة المالية والبنك المركزي السوداني لكن كلها تخمين. وإذا كان هناك شخص في ظل هذه الحرب يأتي بأرقام أفتكر كلها ضرب من الخيال. أما بالنسبة لسعر الصرف فأعتبره مستقر وفقدت العملة الوطنية قيمتها بنسبة 50% تقريباً وتصل مرحلة وتستقر ويمكن أن تهبط أقل من ذلك في ظل المتغيرات الموجودة. وإذا امتدت مساحة السلام وحدث استقرار في الخرطوم والجزيرة فيمكن أن تشهد سعر العملة استقرارا خاصة إذا انحسرت المليشيا في مناطق الإنتاج ستحدث استقرار في سعر العملة.
• كيف تنظر للمعالجات التي تقوم بها الحكومة للسيطرة على انهيار سعر الصرف ؟
أفتكر أن الحكومة ليس لها معالجات. إذا افتكرنا أنها تقوم ببعض المعالجات، لابد أن تكون هناك مساعدات تأتي من الخارج والمساعدات التي تأتي هي مساعدات عينية تتمثل في الإغاثة. وما يأتي من الحكومة خاصة في إيرادات الذهب من ولايات الشرق والشمال والذهب هو المورد الأساسي للحكومة، وهذه الإيرادات جزء كبير منها توظف للإمداد العسكري والتشوين والجيش وهذه المتحركات تصرف أموال ضخمة ويبدو أن كل المعالجات التي تقوم بها وزارة المالية تواجه تحديات فالحكومة تقوم بطبع العملات كمعالجات وطبعت من قبل كتلة نقدية كبيرة والحكومة لديها احتياجاتها من السوق وهذا ما سبب التضخم والنمو الاقتصادي تقلص وكان المتوقع ما بين 12% الي 50% وتقدر بحوالي 25 مليار دولار تأثر بها الاقتصاد. وحدث فقد هذا بالنسبة للاقتصاد. أما الدمار الذي حدث للأصول، فهناك تقديرات مختلفة ومبالغ هائلة جداً تقدر بـ 100 مليار دولار خاصة في العاصمة الخرطوم ونيالا ومدني وهذه من المدن المهمة وهذه المناطق كلها تعطل فيها الإنتاج بطريقة كبيرة جداً، وكل المعالجات التي تتم أثرها ضعيف جداً لان حجم الدمار كبير وتعطيل الإنتاج كبير وحدث تشظي للقطاعات بعضها تعمل والبعض لا تعمل بجانب توقف الإنتاج في بعض الولايات فلذلك فإن وضع سياسة كلية صعب لذلك الآن يحاولوا أن يدركوا تسيير الأمور بقدر المستطاع وطباعة بعض العملات لدفع المرتبات وغيرها وهذه للإجراءات مؤلمة للاقتصاد ولكن في ظل الحرب هي مسألة صعبة على أمل أن يكون التخطيط لما بعد الحرب وتكون هناك سياسات واضحة أما الموجودة الآن فهذه تخمينات وتقديرات.
• كيف تنظر لمستقبل الاقتصاد السوداني في ظل استمرار الحرب ومن المعروف أن ميزانية الدولة تذهب معظمها لتغطية نفقات الحرب؟
في ظل الحرب لا تستطيع أن تخطط لان لا أحد يستطيع أن ينتج ما دام الصراع مستمر. لكن أري ما بعد الحرب الأولوية لابد أن تكون للاقتصاد. لان 90% من الشعب السوداني همهم التعليم والصحة. أما أولويات الساسة في السودان فهي مختلفة وهم يريدون الكرسي للحكم أما المواطن يريد أن توفر له وسائل الإنتاج فلذلك الأولوية هي التركيز على الاقتصاد ومحاولة فتح الفرص لتمكين المواطنين من الإنتاج وعلى الدولة التقليل من الجبايات والضرائب التي تفرضها لتمويل الآلة العسكرية. كما تم صرف مليارات الدولارات في الدعم السريع الآن الشعب السوداني يكسر فيها. كانت هذه الأموال الأولي بها المدارس والطرق وإنارة الطرق والمدارس والبيوت، قائد المليشيا حميدتي أمواله وأخوانه يملكون ما بين 7 الي 12 مليار دولار. واستخدمت هذه الأموال في افساد الحياة السياسية وأشتري السياسيين والولاءات بمال الشعب السوداني. لذلك عندما يتم خلق مليشيات تكون المشكلة أكبر وفي المستقبل القادم لا نريد مليشيات. والجيش يعاد تنظيمه وترتيبه ويتولى مهامه من غير تجنيد مليشيا أخري. والمعادلة القادمة لابد من وقف هذه الحروب وتذليل أسباب هذه الحروب، والسياسيين الذين يتاجرون بالحروب لابد من وضع نهاية لهم.
• زيادة الضرائب والرسوم على السلع والخدمات وعلى التحويلات البنكية هل يعمل على معالجة سعر الصرف ؟
التحويلات البنكية تساعد في استقرار سعر الصرف لأن التدفقات المالية تستطيع الحكومة عبرها توفير المستلزمات من الخارج وفي المقابل البنوك السودانية توفر الجنيه السوداني للعملاء حتى لا يكون هناك ضغط على الدولار وعلى العملات. اذا كانت هناك تحويلات تتم من الخارج فستعمل على التخفيف من آثار انهيار سعر الصرف وعلى السلطات المسارعة في عمل الدفع الإلكتروني حتي تصل المناطق النائية خاصة في المناطق التي ليس لديها بنوك.
• ما المخرج من الانهيار الذي يشهده الاقتصاد السوداني في كلمة أخيرة ؟
الآن نصف الشعب السوداني أما مشرد أو خارج البلاد فقد تدمرت ممتلكاتهم، وانتهكت أعراضهم وكما لم يحدث في تاريخ السودان من قبل، وإذا نظرنا لهذه الحرب فلا يوجد مبرر لقيامها بهذا الشكل لولا أطماع الساسة. وللأسف غياب الرؤية هو ما جعلنا نخلق مليشيات حتى نقاتل بعضنا البعض. والدعم السريع خلقته مؤسسات الدولة للمحافظة على الحكومة وليس الدولة وحكومة عمر البشير عندما سحبت مليشيا الدعم السريع تأييدها له سقط، وعندما جاءت قوي الحرية والتغيير الي السلطة وحتى تحافظ على السلطة استقوت بالمليشيا وقوي الحرية والتغيير عندما أيدت مليشيا الدعم السريع سقط الانتقال لأنه عن طريق هؤلاء الساسة وجدت المليشيا السند الخارجي وحاولت أن تستولي على الحكم. وعلى القوي المدنية الديمقراطية تقدم أن تأتي الي داخل السودان وتطرح رؤية وقف الحرب من داخل السودان وتساند مؤسسات الدولة بدلاً من ترديد عبارة لا للحرب.
نحتاج الي رؤي وأفكار جديدة في عصر الذكاء الاصطناعي، ونحن في عصر جديد نحتاج الي قيادات جديدة تقود المشهد السياسي الي الأمام. الناس تنتج معرفة وهذا هو الاتجاه الذي يدفع البلد للأمام الناس يعملون في القطاع الخاص وينتجون فرص وعمل وثروة. وجامعات ومؤسسات علمية تنتج معرفة هذا هو الاتجاه الذي يدفع البلد الي الامام وليس جوقة العطالة من السياسيين وكل من ليس لديه عمل يقول أنا سياسي. نحن نحتاج الي علماء واقتصاديين وعمال مهرة والتعليم الفني هذه هي الأشياء المهمة وليس المليشيات والحركات المسلحة. نحتاج الي تجريدهم بعد انتهاء الحرب لأنه عمل غير منتج وآلة دمار والتي أدت الي تدمير البلاد نأمل أن تكون هذه آخر الحروب.