الحرب والتدخلات الخارجية واجهاض مشروع الثورة السودانية
التدخلات الخارجية ترتبط في الذهن والممارسة بالأنظمة غير الديمقراطية التي تتركز فيها السلطات في يد شخص واحد أو نادي يتكون من فئة صغيرة تمسك بمقاليد الأمور.
في الحالة السودانية والحرب الدائرة الآن ترى مجموعة كبيرة من السودانيين أن الايادي الخارجية حاضرة في الحرب الدائرة الآن بين الجيش والدعم السريع. تم التوصل لذلك من خلال استبيان بسيط اجراه برنامج من جهة أخرى الأسبوعي الذي يبث نهار كل سبت من راديو دبنقا، لتلمس اتجاهات الرأي السوداني بخصوص هذا الأمر.
نموذج ليبي يمني
يقول أحد المواطنين المشاركين في البرنامج، والذي لم يشأ الإفصاح عن اسمه، ان الامارات تدعم حميدتي وقوات الدعم السريع بشكل مباشر على غرار النموذج الليبي والنموذج اليمني. وبين المواطن بأن دولا أخرى أيضا لها مصالح استراتيجية في السودان، ولكن لا يمكن مقارنتها بدولة الامارات التي تريد الحصول على ميناء بورتسودان وربما الموانئ الأخرى على البحر الأحمر. وأضاف المتحدث بأن بأن السبب الرئيس لهذه الحرب ليست المطامع الإماراتية المباشرة ولكن رغبة الجيش في الاحتفاظ بالسلطة خلافا لما ينص عليه الاتفاق الاطاري الذي وقع عليه البرهان، ومسألة تمرد حميدتي وقواته المنتشرة لم تظهر من عدم.
وتبين من الاستبيان الذي شارك فيه حوالي ألف وخمسمائة شخص في مجموعات الواتساب المغلقة الخاصة براديو دبنقا، وتم نشره أيضا على منصات التواصل الاجتماعي الخاصة بالراديو، تبين بأن 73 بالمائة من المشاركين يعتقدون بأن الحرب الحالية حدثت بفعل تأثيرات خارجية.
مطامع امارتية في الموانئ
وتحدث لراديو دبنقا على هذه الخلفية اللواء معاش أحمد إبراهيم أم بدة المدعي العام السابق للجيش السوداني مقرا بأن لكل دولة استراتيجيتها التي تسعى لتحقيق أهدافها الوطنية ومصالحها الخاصة، وأن ما يدور في السودان ليس معزولا عن صراع الاستراتيجيات.
وأضاف اللواء أم بدة بأن هنالك علاقات إقليمية متميزة مع دولة الامارات العربية التي ساهمت بقدر وافر، على حد تعبيره، في تسليح وتدريب وتمويل قوات الدعم السريع. وبين في هذا السياق بأن دولة الامارات تطمح في السيطرة على ميناء بورتسودان وموانئ السودان على البحر الأحمر.
فيما يتعلق بمصر أشار بأن لمصر بالتأكيد مصالح استراتيجية في السودان ولكن حتى الآن لا شيء يشير الى تدخلها المباشر في الذي يجري الآن.
وكانت نتيجة الاستبيان قد أظهرت أن 62% من المشاركين يعتقدون بأن التدخل الأعظم في الشأن السوداني يأتي من دولة الامارات العربية. تليها مصر بنسبة 16% ثم أمريكا بنسبة 7% وتأتي السعودية في ذيل القائمة من ناحية تأثير وتدخل في الشأن السوداني بنسبة 4%. يجدر بالذكر أن نسبة 8% تستبعد فكرة التدخل من أساسها وتنفي أن يكون لها علاقة بما يحدث الان من حرب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع.
مشاريع متعددة متصارعة
وذكر الكاتب والمدون السوداني راشد عبد القادر في تدوينة له بأن الصراع الجاري الآن تشارك فيه ثلاث قوى تسعى لتحقيق اهداف استراتيجية معينة. “الإسلاميون يتخذون من الجيش السوداني كأداة وقاعدة للفعل. والعمل على المحافظة على هذا الجيش وإن أدى ذلك الى تفكك الدولة السودانية، فليست لديهم أي مشكلة في ذلك.
المشروع الآخر يخص مصر التي تريد من الجيش السوداني تأمين الأمن القومي لمصر، وإن اتفق هذا المشروع مع الإسلاميين، الذين يمكن التعامل معهم والمخاطر المصاحبة لهم في مرحلة لاحقة.
المشروع الثالث يريد ابعاد الإسلاميين من جهة ويفكك الجيش من جهة أخرى، وذلك لصالح الدعم السريع كحليف اماراتي إسرائيلي”.
وأضاف راشد في تدوينته بأن العمالة والارتزاق التقت بالمشروع الداخلي الذي لا رابط له بالوطن ولكن حلبة الصراع هي السودان. ودعا لقيام مشروع سوداني يخص السودان ضد كل استغلال للوطن وموارده وأرضه.
الفساد يفتح باب التدخل
وفي هذا السياق أعلنت الدكتورة عزيزة آدم، وهي طبيبة وباحثة وناشطة اجتماعية، بأنها تتفق مع ما توصل اليه الاستبيان الذي اجراه راديو دبنقا، فيما يخص التدخلات الخارجية. وأقرت بأن التدخلات حاصلة في أي دولة والسودان ليس استثناء. وأبدت عدم اتفاقها مع التفاصيل الأخرى التي توصل اليها الاستبيان.
وأرجعت تمدد مصالح الدول الأخرى للفساد المرتبط بغياب الديمقراطية. وربطت وجود عدة جيوش ومليشيات بجانب الجيش الرسمي للبلاد ووجود موارد كثيرة تصلح للصراع عليها مثل الذهب، بتفجر الحرب الجارية الآن.
وقالت بأن التدخلات الخارجية كان يمكن استثمارها وتوجيهها لصالح السودان، لو كانت لدينا حكومة ودولة قانون ومؤسسات، وذلك بابرام اتفاقيات ثنائية مشتركة مع الدول ذات المصالح في السودان تصب لصالح تنمية البلد واقتصادها.
وأشارت الى مفارقة أن تتم محاكمة شخص تم ضبط بعض الدولارات بحوزته في الوقت الذي تعرض فيه شخصيات من الجيش والدعم السريع موارد البلاد للبيع. وأضافت بأن التهمة توجه للمدنيين وقادة الأحزاب بأنهم يسعون للسلطة ليس فيها ما يعيب. فمن الطبيعي أن تسعى الأحزاب لحكم البلد وهذه مهمتها. ولكن الأسوأ هو تمسك القوات المسلحة بالحكم وبالانشغال بالأنشطة الاقتصادية للدرجة التي نسيت فيه الطريق للعودة للثكنات.
وحذرت الدكتورة عزيزة آدم من اتخاذ التدخلات الإماراتية كشماعة وذريعة لتبرير ما يحدث من مآسي الآن، فما يحدث هو نتيجة تراكمات طويلة وخاصة في العقود الثلاثة الأخيرة من حكم الإنقاذ التي تمت فيها أدلجة الجيش واختطاف كامل المؤسسة العسكرية لصالح تنظيم الإسلاميين.
وطالبت بالاستفادة من الدرس وتحديد الأخطاء من الجهتين معسكر المدنيين ومعسكر القوات المسلحة، وذلك للاستفادة منها من أجل المضي للأمام وتحقيق النهضة التي نطمح لها لبلدنا.
العنف والحرب لقهر الشعوب
وفي هذا السياق تحدثت أيضا لبرنامج من جهة أخرى الذي سيبث السبت 17 يونيو من راديو دبنقا الناشطة سنية إبراهيم التي ترى بأن الحرب الحالية لها علاقة بصراع قديم هو صراع طبقي في طبيعته في إطار سباق الرأسمال العالمي من أجل الموارد والأسواق والنفوذ.
وأوضحت أن راس المال جند وكلائه الإقليميين والمحليين للسيطرة على الدولة السودانية، لذا عملوا منذ بداية ثورة ديسمبر على محاولة السيطرة على الثورة وتنصيب حكومة مدنية برعاية أمريكية.
وأضافت بأن العنف الجاري أداة معروفة ومجربة لقهر الشعوب وخلق واقع يستطيعون فيه التحكم ووضع الأمور تحت يدهم. وأن ذات الوكلاء هم من عمل بشكل مستمر على بذر بذور الفتنة بين المكونات المختلفة والقبائل ونشر خطاب الكراهية وذلك من أجل اضعاف التماسك المجتمعي وإيقاف مشروع الثورة الذي كان يتطلع لإنشاء دولة على معايير وطنية سودانية وتثبيت اركان النظام الديمقراطي وأن تكون هناك ديمقراطية مجتمعية.