الجنينة .. كارثة إنسانية و حصار محكم
تواصل الهجوم والقصف المدفعي على منطقتي تندلتي و الجنينة بولاية غرب دارفور يوم الأربعاء مما أدى لسقوط عدد من القتلى والجرحى.
وتشهد الجنينة موجات من الهجمات منذ ابريل الماضي أدت لمقتل أكثر من 1100 شخص وإصابة أكثر من ثلاثة آلاف آخرين .
وقالت مصادر لراديو دبنقا إن قوات الدعم السريع والمليشيات المساندة لها شنت، صباح الاربعاء، هجوماً، على منطقة تندلتي وهي وحدة إدارية التابعة لمحلية الجنينة شمال .
وقال والي غرب دارفور، خميس عبدالله ابكر، في تصريحات صحفية يوم الأربعاء، إن قوات الدعم السريع والمليشيات المسلحة استباحت المدينة بأكملها ودمرت جميع المنازل والمرافق وحرق ونهب الأسواق وخروج جميع المرافق الصحية عن الخدمة مع استمرار انقطاع الاتصالات وخدمات الكهرباء والمياه.
وبالمقابل نفت قوات الدعم السريع في بيان لها ، يوم الأربعاء، ضلوعها في الهجوم على ولاية غرب دارفور مؤكدة حيادها تجاه ما يجري في الجنينة واصفة ما يجري بالصراع القبلي .
ولكن رفض والي غرب دارفور وصف ما يجري في الجنينة بأنه صراع قبلي بين المساليت والقبائل العربية مبيناً إن الاشتباكات بدأت بين الجيش والدعم السريع في الأيام الأولى للحرب، ثم طال الهجوم الأحياء التي يقطنها المساليت واتسع نطاق لاحقاً لتشمل الجميع .
جرائم ضد الإنسانية
وفي ذات السياق أعرب فولكر بيرتس رئيس بعثة الأمم المتحدة بالسودان، في بيان يوم الثلاثاء، عن قلقه البالغ إزاء ما يجري في الجنينة وإن التقارير الحالية إذا تم التحقق منها ترقى لدرجة الجرائم ضد الإنسانية، بينما قال الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيرش إنه يشعر بالذهول إذا ما يجري في الجنينة.
وأشارت مصادر راديو دبنقا إلى مقتل قتل شخصين على الاقل برصاص القناصة التابعين للدعم السريع بمدينة الجنينة أمس الثلاثاء وأوضحت إن أحد القتلى سقط بالقرب غابة النيم غرب حي المدارس في الطريق العام . من جهة أخرى توفيت شابة صباح الأربعاء متأثرة بإصابتها بقذيفة يوم الخميس الماضي.
وأكدت المصادر إن المليشيات هاجمت تندلتي بالاسلحة الثقيلة والخفيفة حتى عصر الأربعاء ، ونهبت وأحرقت أجزاء واسعة من المنطقة ، ونبهت لعدم امكانية حصر الاضرار البشرية والمادية حتى الآن.
وكان الأمير طارق بحر الدين شقيق سلطان دار مساليت و17 آخرين قتلوا يوم الاثنين في هجمات وقصف مدفعي.
جرحى بلا علاج
وأشار والي غرب دارفور إلى سقوط عدد كبير من القتلى وارتفاع عدد الجرحى إلى أكثر من ثلاثة آلاف جريح وأكد عدم امكانية تقديم الاسعافات الأولية والخدمات العلاجية للجرحى بسبب خروج جميع المستشفيات عن الخدمة، وإن بعض الجرحى يحتاجون لتدخل جراحي وأشار إلى استهداف الأطباء وتصفية 5 أطباء خلال الفترة الماضية.
اللجنة التمهيدية لنقابة الأطباء أشارت في تقرير ميداني يوم الأربعاء إلى سقوط عدد كبير من الضحايا من بينهم أطفال ونساء وكبار سن نتيجة الاقتتال في مدينة الجنينة ووصفت الوضع في المدينة بالكارثي . واشارت إلى تعذر حصر الضحايا في مدينة الجنينة بسبب خروج جميع المستشفيات واستمرار حصار المدينة وانقطاع الاتصالات مؤكدة إن ضحايا الجنينة غير مشمولين في الحصر .
ووجه خميس انتقادات لعدم استجابة حاكم اقليم دارفور والحكومة المركزية لنداءاتهم المتكررة قبل شهر. واعرب عن أسفه لعدم تدخل القوات المسلحة لحماية المواطنين منذ اندلاع الحرب مبيناً أنها لم تخرج لحماية المواطنين منذ اندلاع الحرب وظلت في مقرها بالفرقة 15 مشاة .
ودعا المجتمع الدولي للتدخل العاجل لحماية ما تبقى من الأرواح وتوفير الغذاء والماء والإيواء معرباً عن استغرابه للصمت الدولي.
وقال إن المواطنين اضطروا للتسلح من اجل حماية لأنفسهم وأسرهم ولكن لم يستطيعوا المقاومة بسبب التفاوت في التسليح بينهم وبين الدعم السريع والمليشيات.
رواندا أخرى
قال مساعد معتمد اللاجئين بغرب دارفور مجيب الرحمن محمد يعقوب إن الجنينة تشهد تزايد الوفيات وسط المسنين والأطفال بسبب الجوع وعدم توفر الغذاء، بجانب وفيات الأمهات جراء تعسر الولادة وعدم توفر الرعاية الصحية. وأكد انعدام الدواء في المدينة.
وأوضح في بث مباشر على فيسبوك إن الجنينة محاصرة بجميع الاتجاهات مما أدى لعد التواصل مع محليات الولاية والحصول على المواد الغذائية . وأضاف ( إن الأسر تضطر لمزج الدقيق بالماء وسقيه لأطفالها بسبب الجوع ). وإن بعض الأسر لا تتناول أي وجبات خلال اليوم وإن تكتفي بشرب الماء على الرغم من شح مياه الشرب.
واشار إلى حرق 70 مركز إيواء في الجنينة مما أدى لوجود عدد كبير من المواطنين في العراء مع عدم تردي الوضع البيئي جراء تكدس المواطنين في مساحات محدودة وعدم توفر المراحيض.
وأشار إلى وفيات يومية في الجنينة جراء القصف المدفعي والقناصة.
وقال إن ما يجري في الجنينة أسوا مما جرى في رواندا ، واسوأ مما جرى في العام 2003، موضحاً إن الجثث مكدسة في الشوارع. واشار إلى تعرض الفارين من الجنينة إلى تشاد إلى القتل برصاص المليشيات مشيراً إلى وجود عدد كبير من الجثث على طريق الجنينة أدري وإلقاء الجثث في الجبال والخيران، وإن أسر كاملة جرى ابادتها ودفنت في مقابر جماعية ومواقع معروفة على الطريق.
ودعا المواطنين للبقاء تجنباً لمصير مجهول على الطريق إلى تشاد.
ودعا لإقامة لجسر جوي إلى مطار الجنينة وتوفير ممرات آمنة غلى تشاد لنقل الجرحى
عزلة وأوضاع إنسانية قاسية
وتشهد الجنينة توقفاً انقطاعاً للتيار الكهربائي والإمداد المائي منذ اسابيع بعد اندلاع الصراع ، كما انقطعت خدمات الاتصالات والإنترنت منذ اسابيع مما أدى إلى عزلة تامة للمدينة . وقال مواطنون من داخل السودان وخارجه لراديو دبنقا إنهم لم يتمكنوا من التواصل مع ذويهم منذ انقطاع شبكات الاتصالات ويتحصلون على أخبارهم من الذين لجأو إلى تشاد.
ويضطر المواطنون للتواصل بشبكات الاتصالات التشادية التي تعمل في مناطق محدودة في الجنينة، بينما يستخدم آخرون هواتف الثريا. وقال مجيب الرحمن محمد يعقوب مساعد معتمد اللاجئين في بث حي على فيسبوك إنه يضطر لاستخدام الشريحة التشادية التي تعمل في الجزء الغربي من المدينة.
ولجأ إلى تشاد نحو 90 الف شخص بعد اندلاع الحرب بينما تعرض اللاجئون إلى هجمات وحشية أثناء فرارهم ومحاولتهم عبور الحدود.
وأدى موسم الأمطار الحالي وإغلاق المليشيات من وصول فرق الإغاثة إلى مراكز استقبال اللاجئين لتقديم المساعداتـ، ويعيق ترحيلهم إلى المعسكرات التي تمت تهيئتها.
وكشف مراسل راديو دبنقا عن اعداد الجهات المختصة في تشاد 7 معسكرات لإيواء اللاجئين الجدد ولاستيعاب تدفقاتهم.
أهمية استراتيجية
وعزا والي غرب دارفور تركيز الدعم السريع على دارفور لأنها منطقة استراتيجية ولها حدود مع ليبيا وتشاد وافريقيا الوسطىوقال إن تشاد استطاعت السيطرة على حدود وأغلقتها أمام دخول الأسلحة ولكن ليبيا وافريقيا الوسطى لم تتخذا ذات الإجراءات.
وأعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها على منطقة ام دافوق الحدودية مع افريقيا الوسطى يوم الاثنين بعد معارك مع الجيش.
وفي ديسمبر الماضي اتهم قائد الدعم السريع جهات بالسعي للمشاركة في تغيير نظام الحكم في افريقيا الوسطى ومحاولة توريط الدعم السريع مما أدى لإصداره قراراً بإغلاق الحدود.
ولكن قوات الدعم السريع اعتبرت ما يجري في الجنينة بأنه محاولة لتحويل الحرب من حرب سياسية بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة إلى حرب قبلية بين مكونات الإقليم. ولم تستبعد توزيع الجيش أزياء الدعم السريع لعناصره لارتكاب تلك الأفعال.
لجان تحقيق وتنسيق
ودعت قوات الدعم السريع لتشكيل لجنة عاجلة بين جميع الأطراف القبلية المتقاتلة والمجتمعات الأخرى للتواصل والتنسيق مع قوات الدعم السريع والقوات المسلحة من أجل تهدئة الأوضاع والمساعدة في توصيل المساعدات الانسانية للمدنيين، كما دعت لتشكيل لجنة تقصي حقائق للوقوف على الأسباب الحقيقية وراء الأزمة وكشف المتورطين فيها.
وقالت إن وفدها المفاوض بمدينة جده تقدم بطلب منذ أكثر من عشرة ايام للحصول على موافقة من القوات المسلحة بفتح مطار الجنينة من أجل تسيير جسر جوي من المساعدات الانسانية للمواطنين واشارت إلى مساعي مستمرة لتوصيل المساعدات براً إلى الجنينة وكافة مدن دارفور بالتنسيق مع المجتمعات المحلية.
ودعت مكونات غرب دارفور للتأسي بالمبادرات في الضعين، ونيالا، والفاشر، والأبيض.
وكان المدن شهدت مبادرات لوقف القتال بين الجيش والدعم السريع ، حيث نجحت المبادرة الأهلية في عدم اندلاع الحرب في الضعين فيما اسهمت المبادرات في خفض وتيرة المعارك ونيالا، والفاشر، والأبيض.
هجوم على الهوية
أعرب فولكر بيرتس رئيس بعثة اليونيتامس في بيان عن قلقه البالغ إزاء الوضع في الجنينة بغرب دارفور في أعقاب موجات العنف المختلفة منذ أواخر أبريل والتي قال إنها اتخذت أبعادا عرقية.
ووصف في بيان هذه التقارير عما يجري في الجنينة بأنها مقلقة للغاية، فقد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية. وإذا تم التحقق منها،
وأوضح إن الأمم المتحدة تواصل جمع تفاصيل إضافية بشأن هذه التقارير، مشيراً إلى نمط جديد من الهجمات واسعة النطاق التي تستهدف المدنيين على أساس هوياتهم العرقية، وأشار إلى مزاعم بارتكابها من قبل ميليشيات عربية وبعض المسلحين الذي يرتدون زي قوات الدعم السريع.
ذهول وقلق
أعرب الأمين العام للأمم المتحدة عن قلقه البالغ إزاء الوضع في دارفور وقال إن يشعر بالذهول إزاء أعمال العنف واسعة النطاق في الجنينة.
واشار ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام، في بيان يوم الثلاثاء، إلى اعمال عنف في نيالا وكتم والفاشر نتيجة للصراع بين الجيش والدعم السريع
وأعرب عن قلقه البالغ بشأن البعد العرقي المتزايد للعنف ، وكذلك من تقارير العنف الجنسي.
وجدد الأمين العام دعوته للقوات المسلحة وقوات الدعم السريع لوقف القتال والالتزام بوقف دائم للأعمال العدائية. و حماية المدنيين. كما دعا لإنهاء النهب وتوسيع نطاق الوصول .
وكان حاكم اقليم دارفور دعا لتحقيق دولي حول ما يجري في الجنينة.
خلاصة القول إن الأوضاع في الجنينة تحتاج إلى تدخل دولي عاجل من أجل انهاء الأزمة الإنسانية الماثلة