(الجنجويد) .. سيرة وانفتحت
في التصريح الصحفي الذي أدلى به والي غرب دارفور قبل يومين تعليقاً على حادثة (أزرني) البشعة، استوقفتني الجزئية التي أتى فيها الوالي على ذكر …
بقلم: حيدر المكاشفي
في التصريح الصحفي الذي أدلى به والي غرب دارفور قبل يومين تعليقاً على حادثة (أزرني) البشعة، استوقفتني الجزئية التي أتى فيها الوالي على ذكر (الجنجويد)، في تلك الجزئية جزم الوالي بعدم وجود جنجويد أو مليشيات مسلحة في ولايته.. استغربت جداً لورود العبارة المرعبة (جنجويد) على لسان الوالي وتساءلت بيني وبين نفسي هل مازال هناك وجود لهؤلاء الجنجويد لينفي الوالي وجودهم في ولايته، فقد كنت أظن أن تلك المليشيات المرعبة من شاكلة جنجويد وتورا بورا وبشمرقة لم يعد لها وجود، وأنها اندثرت وتلاشت وطواها النسيان وحلت محلها تشكيلات أخرى بمسميات جديدة، ولكن طالما أن أحد ولاة دارفور قد اختص مليشيا الجنجويد بالذكر، فذلك يعني أنها مازالت موجودة، وإن كان وجودها في غير ولايته، فهو دون شك الأدرى ليس بأحوال ولايته فحسب بل بكل دارفور…
إن مجرد ذكر (الجنجويد) يعيد للأذهان خبر تلك الجماعة المتفلتة التي قيل في تعريف مسماها أنه اختصار لـ(جن، جاء، راكب جواد وشايل جيم ثري)، وأحياناً يتم اختصارها في عبارة (جنجا) الأقرب لفظاً لـ(نينجا)، والنينجا هي تلك العصابات اليابانية الخطيرة التي تتقارب مع الجنجويد في المسمى والأفعال والخطورة والفظاعة والفظاظة، ويطلق بعض المساخيط على من يرتدين النقاب الأسود مسمى (النينجا) ربما بعامل الغطاء الأسود عند كل، وكان مصطلح الجنجويد قد راج وذاع وانتشر حتى بلغ درجة العالمية ودخل المعاجم الأعجمية واحتل مكانه على خشبات المسارح ودور السينما على مستوى هوليوود، وطاف على الكونغرس والأمانة العامة للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي وبلاد تركب الأفيال وأخرى تموت من البرد حيتانها، ثم من بعد الشهرة السالبة التي وجدتها جماعة (جن راكب جواد وشايل جيم)، أطل علينا زمان جماعة (راكب موتر وشايل كلاش)، ليحتل هذا الأخير مكان الأول أو هكذا ظننت قبل تصريح الوالي المار ذكره، في وراثة عجيبة لتراث العنف والقتل والسطو وإشاعة الذعر وبث الفوضى، وتعاقب أجيال الفواجع والمصائب والمحن التي لا تأتي فرادى بل محنة تعقبها فاجعة تليها مصيبة وهكذا دواليك، فدلاليك الحروب والصراعات لم تكف لحظة عن الرزيم إلا بالمقدار الزمني الذي يسمح بنقلها إلى مكان آخر، وستظل هذه الكأس دائرة ما ظلت ثقافة الحرب هي السائدة، وثقافة الحرب لا تسود إلا حين تضمر الدولة ويتضخم الحزب وتغيب قيمة المواطنة وتصبح المليشيات هي من يأخذ الحق والقانون بيده، وعندما تسود العنصرية، ويتوهم مكوّن ما أو جماعة ما أنهم الأعلى شأناً من الآخرين، يضطهدونهم ويهمشونهم، فتغيب قيم التعايش والتسامح والتنوع ويستشري البؤس والدمار…