أحمد حسين آدم

بقلم : حسين سعد

لم يكن الصحافي السوداني، ومهنته (مهنة البحث عن المتاعب ) عموماً، بمنأى عن الأنقلابات التي شهدها السودان وعن الحروبات والنزاعات،والأزمات المتتالية التي أرخت بثقلها على كل نواحي الحياة،وإستحكمت حلقاتها، وزادت من الأعباء التي تكدست لدى كل مواطن،وكل مدينة وقرية، وفي شتى أنواع المهن، بل قد يكون الصحفيون اليوم بالسودان من أكثر المتضررين من دون ان يكون هناك أي أفق واضح لمصير مهنتهم، فليس بالأمر الصعب اليوم ان تكون صحافيا شهيرا،فكليات الاعلام (علي قفا من يشيل) سنويا تدفع بالعشرات بل المئات من الصحفيين الخريجيين ،الذين لم يجدوا التدريب الجيد ،والعمل المناسب والمرتب المجزئ ،والمحفز للابداع،(صحابة الجلالة) في السودان شهدت أوضاعها حلقات متتالية من الانفتاح والتضييق، خلال  فترات الحكم العسكري التي تجاوزت نصف قرن من الزمان ،بينما تنسمت الصحافة عبير  الحريات  في ظل الانظمة الديمقراطية لكن تلك النسمات لم تدوم طويلا بسبب الاطاحة بالنظام الديمقراطي المنتخب بواسطة انقلاب،حيث يضع ذلك الانقلاب الصحافة في خانة العدو الاول ،هذه الوضعية بجانب الاوضاع الاقتصادية الحرجة بالبلاد أدت الي ممارسات لحقت بالصحافة أقل ما تصف بالقمعية ،والتسلطية لانها في كثير من حالاتها تتجاوز القانون،وهي أوضاع متقلبة وخفيّة، واليوم وعلي ارض الواقع (وعقب الحرب)لا تواجه الصحافة السودانية انعدام الحريات فقط من ناحية السلطة السياسية وأجهزتها التنفيذية والامنية، فهي كذلك تواجه تضييقا في مربعات أخرى منها الاجور والاعلانات ومدخلات الطباعة وطبيعة العمل،والحصول علي المعلومات، ومصادر التمويل لقطاع الاعلام، ومدى قدرة تلك المصادر على تحقيق مشاريع اعلامية مستدامة وسط تزاحم وتنافس إعلامي لم تشهد المنطقة مثله في تاريخها الحديث،وقبل ثورة ديسمبر الظافرة، أدت القبضة الامنية للنظام البائد الي تذيل السودان لقائمة تقارير المنظمات العالمية الخاصة بأكثر الدول إلتزاما بحرية التعبير وحرية الصحافة ،وتم تصنيف السودان من أسوا الدول المنتهكة للحريات في العالم، وبالرغم من النجاحات التي تحققت في فترة حكومة حمدوك الخاصة بحرية الصحافة وحرية التعبير ،قبل انقلاب 25 إكتوبر

 ،الا ان اوضاع الصحافة عقب الحرب في منتصف أبريل الماضي طرحت سؤال عريض مفاده ماهو مستقبل (صحابة الجلالة) لان العمل الصحفي في ظل الحرب من أصعب المهام، حيث يتعرض الصحفيون للكثير من المخاطر والتحديات. ولكنهم يمتلكون دورًا هامًا في توثيق الأحداث وإيصالها إلى العالم، وتسليط الضوء على الظلم والانتهاكات التي يتعرض لها المدنيون، ويحتاج الصحفيين للقيام بعملهم أي حماية قانونية وتأمين سلامتهم أثناء عملهم ،وتشجيع اطراف النزاع لنبذ العنف والعمل ن أجل التوصل الي حلول سلمية للصراعات وتحقيق العدالة والمساواة،وإجراء تحقيقات شفافة ومستقلة في حالات إنتهاك حرية الصحافة وتعزيز دور الصحافة في تغطية الاحداث لجهة تقليل حدة النزاعات لاسيما في بلدان مثل السودان الذي يحتاج اليوم وغدا الي صحافة السلام وصحافة مابعد النزاع التي تساعدعلي الاستقرار والسلام ،وتعزيز الشفافية وحرية الوصول الي المعلومات وتوفير الدعم النفسي للمواطنيين والصحفيين الذين يتعرضون للصدمات النفسية،وتعزيز دور الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية في حماية حقوق الصحفيين وتعزيز الأمن والاستقرار في المناطق المتضررة من الحرب. وإطلاق حملات توعية وتثقيفية للجمهور حول حقوق الصحفيين وأهمية حرية الصحافة في بناء مجتمعات ديمقراطية ، وتعزيز التعاون بين الصحفيين والمؤسسات الإعلامية والمنظمات الدولية والمحلية المختصة في حماية حرية الصحافة وحقوق الصحفيين

وتشجيع الحكومات على اعتماد قوانين وسياسات تحمي حرية الصحافة وحقوق الصحفيين، وتضمن تقديم العدالة للصحفيين المتعرضين للاعتداءات، وتشجيع الصحفيين على تبني ممارسات أخلاقية ومهنية عالية في عملهم، وتوفير الدعم والتدريب، وتعزيز الشراكات بين الصحافة والمجتمع المدني والمؤسسات الأكاديمية والثقافية، لتعزيز حرية الصحافة وتعزيز دورها في بناء مجتمعات ديمقراطية، وتشجيع التفاعل والحوار بين الصحافة والجمهور، وتوفير الدعم للصحفيين لتغطية قضايا المجتمع والحركات الاجتماعية والسياسية بشكل شامل وموضوعي،وتعزيز حرية الصحافة والتعبير وحماية الصحفيين من التهديدات والاعتداءات والمضايقات، ومحاسبة المتورطين فيها،وتشجيع التنوع الإعلامي وتمكين الصحفيين من تغطية أصوات وآراء مختلفة، وتعزيز الوعي الثقافي واللغوي لدى الصحفيين لتجنب التمييز والإساءة في التغطية الإعلامية،وتعزيز دور الصحافة في نشر الوعي والمعرفة وتحقيق التغيير الإيجابي في المجتمع، وتشجيع الصحافة على التركيز على القضايا الاجتماعية والبيئية وحقوق الإنسان ،وتعزيز دور الصحافة في التوعية بأهمية الديمقراطية والمشاركة المجتمعية، وتشجيع الصحافة على تغطية الانتخابات والأحداث السياسية بشكل شامل وموضوعي،وتعزيز دور الصحافة في تعزيز الشفافية ومحاسبة الحكومات والمؤسسات الخاصة، وتشجيع الصحافة على التحقق من المعلومات والأخبار المتعلقة بالفساد والاختلاس والتلاعب بالأموال العامة،وتشجيع التعاون الإعلامي الدولي وتبادل الخبرات

والمعلومات بين الصحافيين في مختلف الدول، وتعزيز دور الصحافة في نشر السلام والتفاهم بين الشعوب،وتعزيز دور الصحافة في التوعية بأهمية حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين، وتشجيع الصحافة على تغطية القضايا المتعلقة بالعنف ضد النساء والتمييز الجنسي.

ويوم الثلاثاء الماضي وجد البيان الذي أصدرته 17 مؤسسة صحفية وكياناً إعلامياً بشأن أوضاع الصحافة والصحفيين، ترحيب وتجاوب واسع حيث قال الناطق الرسمي بأسم القوات المسلحة العميد نبيل عبد الله ان القوات المسلحة كمؤسسة وطنية ونظامية مع الحقوق والحريات المكفولة للاعلاميين في أداء رسالتهم الاعلامية وضمان عدم تعرضهم لاي مضايقات،وشدد في حديثه لراديو دبنقا شدد علي ضرورة السماح للصحفيين بأداء دورهم في حدود ماتسمح به الظروف الامنية وماتسمح به متطلبات الامن الوطني السوداني، وأضاف ( نحن مع أن تقوم المؤسسات الاعلامية بدورها الإعلامي المحايد الذي لا ينحاز إلى باطل أو طرف محدد) ،وأدان الانتهاكات التي تعرض لها عدد كبير من الإعلاميين والدخول إلى منازلهم ونهب ممتلكاتهم ، وأوضح إن الانتهاكات شملت تحطيم المعدات ومنع الصحفيين من القيام بواجبهم والتضييق عليهم،من جهته رحب يوسف عزت، المستشار السياسي لقائد الدعم السريع، بالبيان الذي أصدرته مؤسسة صحفية وإعلامية مهنية بمبادرة من راديو دبنقا ونقابة الصحفيين وجهر، ورداً على سؤال لراديو دبنقا بشأن رأي الدعم السريع في البيان، أكد يوسف عزت استعدادهم للسماح لأي وسيلة إعلامية محلية أو أجنبية بالدخول لمناطق سيطرتهم .ولكنه رفض في الوقت نفسه دخول أي صحفي دون إخطارهم مسبقاً.

 وأكد عزت استعداد استخبارات الدعم السريع للتنسيق الكامل مع الصحفيين وضمان توفير الحماية لهم للقيام بالتغطية في مناطق سيطرتها، ونفى اعتقال قوات الدعم السريع لأي صحفي وأضاف ( وجهنا الدعوة لجميع وسائل الإعلام إلى مناطق سيطرتنا  ولكنها لم تأت)

وفي المقابل أشاد البروفيسور صديق تاور عضو مجلس السيادة السابق والقيادي بحزب البعث العربي الاشتراكي أشاد بالبيان الذي أصدرته 17 مؤسسة صحفية وإعلامية رفضل للحرب ، 

وقال الدكتور صديق تاور لراديو دبنقا إن البيان لفت الانتباه لكارثة حقيقية، تكاد تكون منسية، في ظل ممارسات طرفي الحرب العبثية على امتداد البلاد، وأشار إلى تعرض العاملين والعاملات في حقل الصحافة والاعلام لظروف قاهرة جراء ممارسات طرفي الحرب منذ اليوم الأول لاندلاعها، مبيناً إن بعضهم ظلوا عالقين داخل أماكن عملهم لفترة طويلة، وأدان تاور حملات التضليل وإخفاء الحقائق وتغييبها  بعيدا عن المهنية واخلاقيات الإعلام المحترف، ونبه إلى استغلال عناصر النظام السابق وجودهم داخل الأجهزة الأمنية للتضييق على  الأصوات الإعلامية الوطنية الرافضة لاستمرار الحرب ولجوئهم لتصفية الحسابات مما أدى لسيطرة الاعلام الاسفيري غير المهني، الأمر الذي يمثل تهديداً للانسجام الوطني باستسهال خطاب الكراهية والفتنة بين مكونات المجتمع، وقال إن التضييق على وسائل الإعلام المهنية ساهم في حرمان الرأي العام من التعرف على حقيقة الدمار والكارثة الإنسانية.

وبدوره أكد المحلل السياسي الدكتور عبدالرحمن عيسي في حديثه مع راديو وتلفزيون دبنقا أكد علي الدور الكبير للاعلام في نقل الحقائق خاصة في الدول التي تؤمن بالحريات والديمقراطية، واضاف ان الإعلام في السودان واجه تحديات كبيرة منذ باكورة  حكم الانقاذ وحتى بعد الثورة، وقال ان الإعلام كان اعلاما موجها اريد منه عكس السياسات التي تقوم بها مؤسسة الدولة الحاكمة وهو ما لا يتسق والرسالة الأساسية  التي يتضطلع بها الاعلام في كشف الحقائق وتسليط الضوء على الاخفاقات.

من جهتها  قالت الإذاعية هالة حامد إن الصحفيين اكبر شريحة تعرضت للانتهاكات والمصاعب بسبب الحرب،  ثم واجهوا في نزوحهم القسري للولايات صعوبة واستحالة الوصول للمعلومات والبيانات في ظل غياب الصحف والإحهزة الاعلامية المهنية،  وذكرت ان عدد من الصحفيين واجهوا انتهاكات واعتقالات ومضايقات في أداء رسالتهم، وتعرضو للتصنيف وفقا لاراءهم حول الحرب الدائرة الآن.

‏وفي المقابل اعتبر الإعلامي إدريس شاكر أن حق الصحفي في الحصول على المعلومات العامل الأساسي في عمل المؤسسات الصحفية،  وهو مؤشر من مؤشرات حرية الصحافة

وقال إن الصحفيين في ظل الحرب الدائرة يعانون في الوصول الى المعلومات بسبب عدم التزام الأطراف المتحاربة بالقوانين الدولية في المحافظة على سلامة وارواح الصحفيين وتمكينهم من أداء عملهم وواجباتهم الصحفية، واضاف ان هذا الوضع الذي وصفه بالشائه أدى الى تمدد الإعلام البديل، وزاد ان أغلب المعلومات التي توفرها وسائط الاعلام البديل هي معلومات غير حقيقية بها الكثير من الأكاذيب والدعاية لأطراف الحرب

الخاتمة..

يجب ان ندعم البيان المشترك الذي أصدرته (17) من المؤسسات الاعلامية بالشراكة مابين راديو وتلفزيون دبنقا ونقابة الصحافيين وشبكة صحفيون لحقوق الانسان (جهر) من أجل دعم حرية التعبير وحرية الصحافة في الكشف عن الفساد والظلم والانتهاكات وحق الحصول علي المعلومات ومحاربة الاشاعات والاخبار الكاذبة والتضليل وخطاب الكراهية والعنصرية التي تهدد مجتمعنا وتزعزع إستقراره ، فالصحافة هي صوت الشعوب والمرآة التي تعكس حقيقة الأحداث، ولا يمكن لأي مؤسسة أو حكومة أن تستغني عنها ،وأخيرًا، فلنتذكر أن حرية الصحافة لا تأتي بمفردها، بل تتطلب جهودًا مشتركة وتعاونًا بين الجميع. فلنعمل سويًا على تحقيق هذا الهدف النبيل وحماية حرية الصحافة.

Welcome

Install
×