الأربعاء الرائعة … مليون سلام يا شعبنا

وما أمضى “سلاح المشي” هذا وبركان غضب الجماهير الثائرة التواقة إلى العيش الكريم.

متظاهر مغطى بدخان الغاز المسيل للدموع في شارع رئيسي في بحري يوم الاربعاء 31 يناير 2018 - راديو دبنقا

 

بقلم / عبد الجبار عبد الله  

 

"البزدريك يا ويلو من غضبك عليه ومن مشيك… يا ويلو من أجلو الوشيك" ترداداً وإيقاظاً لحكمة محجوب شريف وبصيرته الشعرية النافذة ..يا ذاك الهُمام.

وما أمضى "سلاح المشي" هذا وبركان غضب الجماهير الثائرة التواقة إلى العيش الكريم.. إلى الحرية والطمأنينة والسلام والعدالة الاجتماعية.  نحن شعبٌ أبيٌّ كريم ولنا حق في الحياة اللائقة الكريمة. هكذا يقول لسان حال الجماهير الثائرة الأبيّة التي لم يعد لها ما تخسره سوى أغلالها لتخرج إلى الشوارع ذوداً عن كرامتها وأبسط حقوقها الإنسانية: أن تبقى وتعيش وتهنأ بالحياة. وبذلك تلقّن الشوارع والميادين حثالة الإنقاذ وشذاذ آفاقها درساً لن ينسوه من دروس عظمة السودانيين ورفضهم للذل والإهانة. وها هي الجماهير تدوس بأحذيتها وأقدامها المغبّرة العفيفة على صلف طغاة عصابة الإنقاذ الخائنين السارقين القاتلين الحاسبينَ الشعب أغناماً وشاه. 

فالأربعاء يوم الحساب العسير الذي رجمتكم فيه الجماهير بحجارة أسئلتها وحمم غضبها الذي يغص الحلوق والحناجر:  في أي عهد من عهود تاريخ السودان قديمه وحديثه، كانت لنا دولة لا يوجد أحد شريف عفيف في سدة حكمها سوى عصبة من اللصوص وسارقي قوت الشعب وخيرات بلده؟ في أي عهد من عهود تاريخ السودان كان لنا رئيس وصمة عار وملاحق في قضايا جنائية دولية؟ وأي رئيس هذا الذي يصف شعبه بشذاذ الآفاق و"يقتل مواطنيه لأتفه الأسباب" كما يقول دون حياء أو وازع من ضمير؟ وفي أي عهد من عهود السودان ارتبط اسم بلادنا بالإرهاب ووُضِع في قوائم الحظر الدولي؟ وفي أي عهد اُنتهكت السيادة الوطنية وأصبح ما تبقى من السودان -بعد انفصال الجنوب- معروضا في مزاد علني مفتوح لكل من يشتري ويطمع من الأجانب؟ وفي أي عهد بيعت الجنسية والجوازات السودانية كما الطماطم والبيض والفجل؟ وفي أي عهد تحوّل الجنود السودانيون إلى مقاتلين مرتزقة في حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل؟ وفي أي عهد تُذل النساء والأمهات ويُجلدن باسم الفضيلة والشرف والأخلاق؟ أي نخوة هذه.. أي رجولة .. أي شهامة؟ وفي أي عهد تُعتقل الفتيات والنساء ويعذّبن في أماكن لا يعلمها أحد حتى الأُسر؟ أي أخلاق هذه.. أي انحطاط؟ ومتى رفع الصبية والغلمان أياديهم وسياطهم على وجوه وأجساد من هم في مقام أمهاتهم وآبائهم وأجدادهم سوى عصابات أمنكم أنتم ومنحرفيها وشذاذ آفاقها؟ ويا لحسرتنا وأوجاعنا ونحن نشاهد فظائع فيديوهات تعذيب فلذات أكبادنا من الشباب الذين يباعون ويُشترون علنا في أسواق النخاسة في ليبيا وكأنهم مقطوعون من شجرة لا يسأل مسؤول سوداني واحد من حكومة السجم والرماد هذه عنهم! وفي أي بلد في امتداد العالم كله يموت المريض أمام باب المستشفى الموصد أمامه بسبب عجز مالي عن سداد رسوم مقابلة الطبيب؟ وفي أي عهد عجز الآباء والأمهات عن إرسال صغارهم إلى المدارس بسبب ضيق ذات اليد والحيلة؟ بل في أي عهد من عهود السودان جاء من يحكمنا إلا لينهب ويسرق ويشيع بيننا الجوع والفقر والأمراض والجهل والتخلّف باسم الدين؟  أي دين هذا الذي تنصبون وتحتالون به علينا؟ وفي أي عهد حكمتنا العصابات ومليشيات الجريمة المنظمة من قتلِ وإبادة جماعية ونهب وغسيل أموال وتجارة في كل ما هو مشبوه حتى في المخدرات؟

وما أكثر الأسئلة .. وما أمرّ الغصة وطعم التراب في الحنجرة. 

إن موعدنا اليوم الآن… إن الشوارع لا تخون 

وإنّ لنا يا حثالة الإنقاذ أي مجدٍ وسؤدد في دك حصون الطغاة بجميع أشكالهم ومسمياتهم وسحناتهم مهما كانوا ومهما بلغ طغيانهم وجبروتهم. ذاك العزم.. تلك المتاريس التي شيّدها الشعب ستبقى علامةً ومنارةً من منارات شعبنا الأبيّ الهمام عالي الهمة مرفوع الرأس.

ولتذكروا -إن كانت لكم ذاكرة أو وجدان- أنه في مثل هذا اليوم بالذات "الأربعاء" وقبل ما يزيد على نصف القرن بقليل، اندلعت ثورة اكتوبر 1964 الشعبية المجيدة لتدك قلاع أول ديكتاتورية شيدها العسكر في بلادنا ليقطعوا بها الطريق أمام استكمال السودان استقلاله السياسي والاقتصادي والإبقاء عليه في أغلال التبعية لدوائر الاستعمار الحديث، والخنوع لرأس المال العالمي ومؤسساته المتخصصة في نهب خيرات الشعوب والإفقار الشامل للغالبية الساحقة من مواطني البلدان النامية. 

وها قد سُرقت من بين أيدينا تلك الثورة الشعبية العظيمة بكيد قوى الثورة المضادة ذات المصلحة والارتباط العضوي بذات دوائر الاستعمار الحديث ومؤسساته، لتجثم على صدورنا ديكتاتورية ثانية على مدى 16 عاماً. غير أنّا هزمناها أيضا وهدمنا قلاعها بسلاح المظاهرات السلمية والإضراب السياسي والعصيان المدني. ولتذكروا أن جماهير الشعب الأبية قد خرجت في كلتا الحالتين وفي يدها ليس أكثر من هتاف وفي فمها ليس أكثر من نشيد. ومع ذلك، فقد كان النصر معقودا بلوائها لأن حقيقة التاريخ تؤكد دائما أن إرادة الشعوب لا غالب لها، وأنه لا بدّ لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر مهما كان القمع والبطش والوحشية. فإرادة الشعوب هي الأقوى والأشد شراسةً ومضاءً إذا الشعبُ يوماً أراد الحياة. 

وها هو اليوم قد حان، إذ لم يعد للجماهير التي عزّت عليها الحياة واستعصمت عنها لقمة العيش والخبز بسماء المستحيل سوى أن تنشد حقها في الحياة الحرة الكريمة. وستنتزعها حتماً وإن كانت هذه المرة بين فكي غولٍ إسلاميٍّ بغيضٍ جشع عديم الهمة والنخوة والمروءة. يا ويلو من أجلو الوشيك ما أن تكتظ الشوارع ويعلو الهتاف النشيد "عصينا عصينا على الحرية منو بوصينا" و"يا مواطن بحقك طالب" و"سلمية سلمية ضد الحرامية" و"حرية سلام وعدالة والثورة خيار الشعب" وغيرها مما يزلزل أقدام الطغاة ويدك قلاع الاستبداد والظلم والغطرسة. 

وكما قال ود المكي شاعر الأكتوبريات المجيدة في مديح الأربعاء:  

"الأربعاءُ علي جبينِ الدهر لؤلؤةٌ و متكأ انتصار

زُغرودةٌ تحمى ظهور الثائرينَ وكأسُ أفراحٍ تُدار

يا غرسةَ المجدِ الطويلِ علي مصاريعِ النهار

فلتسمَقى جِذعاً وتزدهرى بأمجادِ الثمار

و ملتقى متسامرينَ

و دوحةٌ أفياؤها مجدٌ و خُضرتها فَخار"

Welcome

Install
×