اعتراضات على منح اللجان الوطنية مشروعية التحقيق في جرائم حرب السودان
امستردام: الثلاثاء الأول من أكتوبر/2024م: راديو دبنقا
تقرير: سليمان سري
أبدت الحملة الوطنية للتمديد للبعثة الدولية لتقصي الحقائق في الانتهاكات المرتكبة خلال حرب 15/ أبريل/2023م، اعتراضها على الفقرة 19 الواردة في مشروع قرار تقدمت به بعثتي أمريكا وبريطانيا، والذي سيطرح على مجلس حقوق الإنسان للتصويت عليه ضمن أعمال الدورة السابعة والخمسين.الخاصة بالتجديد للبعثة.
ووصفت الحملة في بيان تحصل عليه “راديو دبنقا”، مشروع القرار بالجيد إجمالًا ، باستثناء ما جرى أمس في 30 سبتمبر 2024م ، أثناء الجلسات التحضيرية بإضافة الفقرة (19) التي اعتبرتها مخيبة للآمال.
ضياع العدالة:
ونصت الفقرة 19على: (إذ يرحب بالالتزام المعلن من جانب السلطات السودانية بالتحقيق في الفظائع ومقاضاة المسؤولين عنها، حسب الاقتضاء، من خلال جهود المساءلة الوطنية المستقلة، والتحقيق في الجرائم وانتهاكات القانون الوطني والقانون الإنساني الدولي، ويحث على تنفيذ هذه التعهدات، وإذ يلاحظ مع التقدير المبادرات الأخرى والبيانات المرتبطة بها، والتي تهدف إلى الاستجابة للصراع المسلح المستمر في السودان) .
واعتبرت الحملة أن هذه الفقرة تمنح مشروعية للجان الداخلية المشكلة من قبل طرفي الحرب في السودان، وشككت في اللجان الداخلية وقالت إنَّها تفتقد للاستقلالية والمصداقية وينقصها الحياد، ورأت أن نتائج تحقيقاتها لن تفي بالغرض المطلوب مما سيتسبب في ضياع العدالة و فرص الوصول للمساءلة.
وعزت موقفها الرافض لتلك اللجان إلى أن الأطراف المتحاربة هي المتسببة في انتهاكات حقوق الإنسان منذ نشوب الحرب في 15 أبريل 2023م، بالإضافة إلى ما وصفته بتاريخهم المظلم في انتهاك حقوق الإنسان ابتداء بجرائم الحرب في دارفور في العام 2003 م، مرورًا بأحداث ثورة ديسمبر 2019م، وأحداث انقلاب 25 أكتوبر 2021 م وقالت خلال تلك الأحداث مورست كل أنواع انتهاكات حقوق الإنسان من قبل القوات النظامية وكانت القوات المسلحة و قوات الدعم السريع شركاء في تلك الممارسات و التي لم يتم فيها تحقيق.
مشروعية غير مستحقة:
من جهته وجه عضو الحملة الوطنية لتمديد بعثة تقصي الحقائق محمد عبدالمتعال جودة المحامي، انتقادات شديدة للفقرة 19 الواردة في مشروع القرار الخاص بتمديد ولاية البعثة الدولية لتقصي الحقائق في جرائم والانتهاكات التي ارتكبت في حرب 15 أبريل 2023م.
وقال جودة في مقابلة مع “راديو دبنقا” أن الفقرة تتحدث عن إعطاء مشروعية للجان التحقيق الوطنية بالتحقيق في هذه الانتهاكات، واعتبر ذلك مشروعية غير مستحقة. ووصف لجان التحقيق الوطنية بالآليات العرجاء التي تسير في اتجاه واحد.
وأعاد المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان، التذكير بقرار تشكيل لجنة النائب العام المكلفة بالتحقيق في الجرائم التي ارتكبتها قوات الدعم السريع، وقال جودة: إنَّ القرار من عنوانه يفصح عن عدم جدية وحيادية اللجنة وعدم موثوقيتها، مشيرًا إلى أن اللجنة تحقق في انتهاكات طرف واحد.
وتابع جودة:” عندما نتحدث عن الانتهاكات التي وقعت في الحرب لانتحدث طرف واحد، وإنما نتحدث عن طرفين أساسيين، القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، ونتحدث عن أطراف كثيرة مشاركة مع كل طرف من الأطراف”.
وقال ” اللجنة تنظر باتجاه واحد مما يفقدها الجدية، وأي تقرير يصدر عنها لن يكون شاملا بل سينظر لانتهاكات طرف واحد “
مجاملة دبلوماسية:
وقال عضو الحملة القومية للتمديد لبعثة تقصي الحقائق إن الفقرة تم تبنيها من قبل الكتلة الإفريقية، التي قال بأنها درجت على المجاملة الدبلوماسية وتبادل المنافع .
وشكك محمد جودة المحامي في المقابلة مع “راديو دبنقا”، في الآليات الوطنية، وقال إنَّ انعدام الثقة يمتد إلى الآليات الإفريقية ، وذكَّر بأنها امتنعت عن القبض على الرئيس المخلوع عمر البشير في القمة الإفريقية التي انعقدت في جنوب إفريقيا 2015م. ووصفها بغير الجادة في انجاز المهام المفترض أن تكون جزء من أخلاقيات مناهضة الانتهاكات ومنعها والسعي لمواجهة مرتكبيها.
وحذر جودة من أن هذه المادة الواردة في الفقرة 19 حال تم اعتمادها ستكون خصمًا على المواطن، وشدد بأن خطورتها تتمثل في أنها تحرم الضحايا من أي أمل في الإنصاف. ودلل على ذلك بأن لديهم تجارب سابقة في اللجان الوطنية.
واستبعد جودة أن يتم إجازة المادة 19 في مشروع القرار، وعبر عن ثقته في أن الاعتراض الذي تقدمت به الحملة الوطنية سيجد حظه من النقاش الجيد، واعتبر أن الحوار الدائر الآن بين منظمات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان الوطنية والإقليمية الحادبة على مصلحة السودان، ومابين الدول الأعضاء يمكن أن يسير في اتجاه إلغاء هذه المادة.
ونبه إلى أن الفقرة في حال تعديلها أو تحجيمها وحصرها في نطاق ضيق أو إلغاءها تمامًا فستؤدي إلى اطمئنان الضحايا على أنهم سيجدون الإنصاف وأن هنالك جهة تراقب أوضاع حقوق الإنسان.
تحجيم الشطط:
وأكد محامي حقوق الإنسان محمد عبدالمتعال جودة في المقابلة مع “راديو دبنقا”، أن إلغاء هذه المادة سيكون له أثر في ما وصفه بتحجيم الشطط أو السمة السائدة بالنسبة لطرفي الحرب .
وأشار جودة إلى أن الحملة لديها عدة آليات في سبيل مجابهة هذه المادة ولديها تواصل مع جهات عديدة على مستوى الدول في مناقشة جادة لاستبعاد وإلغاء هذه الفقرة تحديدًا.
التمديد للبعثة:
واعتبر جودة أن مسألة التمديد لبعثة تقصي الحقائق في السودان هو أمر واجب ورأى أن أهمية ذلك يأتي من خلال التقرير الأولي الذي قدمته البعثة من خلال عملها لفترة زمنية محدودة جدًا، ولكنه رأى بأنها اجتهدت برغم المعوقات العديدة سواء كانت داخلية من مجلس حقوق الإنسان نفسه أو من مجلس الأمن أو من مواقف بعض الدول.وأكد أن تلك الاعتراضات مبنية في الأساس على مكاسب شخصية وعلى المصالح الدبلوماسية.
لكنه بدا واثقًا من الاستجابة لتمديد ولاية بعثة تقصي الحقائق ، مبينا إن عدم التمديد للبعثة يمثل ضياعاً لحقوق الضحايا.
ودعا الدول التي تتبنى عدم التمديد للنظر إلى ما حدث خلال الأيام الماضية في مواقع القتال، من انتهاكات كثيرة وقعت أثناء هذه المعارك وأثناء السيطرة من طرف على مناطق الطرف الآخر.
القتل خارج القانون:
ونوه عضو الحملة الوطنية للتمديد لبعثة تقصي الحقائق محمد عبدالمتعال جودة في المقابلة مع “راديو دبنقا”، إلى أن الطرفين يستخدمان القانون بصورة تخدم مصالحهما وتبيح لهم ارتكاب الجرائم وحذر من عدم التمديد لهذه البعثة ومحاولة إدخال الفقرة 19 تضع المواطن أمام آلة قتل أخرى أكثر فتكًا وتجاوزًا للقانون.
وقال: إنَّ وضع المواطن أمام هذه الآليات الوطنية يجعلنا نرجع ونستذكر أونتابع الآن ما يحدث من محاكمات لبعض المواطنين الأبرياء باعتبار تعاونهم مع الدعم السريع ومحاكمتهم بمادة تصل عقوبتها الإعدام مثل المادة 50 و51. في محاكمات أو في إجراءات لم تراعي بأي شكل مبادئ المحاكم العادلة ولم تتوفر لهم في أي مساعدة قانونية الكافية وأدلة يمكن أن نقول عليها ضعيفة أومصطنعة.
وأعرب عن أمله في أن يتم التمديد من أجل حماية المواطن السوداني الأعزل .