استخدام الأطفال في السوشيال ميديا.. امتحان السودانيين الجماعي
امستردام: 2 سبتمبر 2024: راديو دبنقا
يعتبر السودانيون الكوارث والخطوب والاحداث الكبيرة امتحانات يجب أن يصمد المرء أمامها ويصطبر عليها، والصبر غاية التسليم والايمان. في عهود الديكتاتوريات المظلمة التي تعاقبت على البلاد، وطبعها سوء الإدارة والتدبير، حين يسود الغلاء يعتبر البعض أن الأمر امتحان وابتلاء، وكذلك الأمر حين تنزل الامطار وتعم السيول، وحين تنتشر الامراض ويحل الجفاف.. في الحقيقة الشعب السوداني لا يختلف عن كثير من شعوب الجوار المحيط ببلدنا أيا كانت ثقافاتها ومعتقداتها، في أن البني آدم كائن ممتحن على الدوام.
حين تفجرت الحرب الدائرة الآن، والتي تعبر عن تناقض وتصادم مصالح مكونات وفئات مختلفة، لم تفلح فيما بينها في التوصل لصيغة سلمية لحل خلافاتها. وبالتالي كان من الطبيعي أن تنبري لمناصرتها جماعات مختلفة تمثل وتتعرف على هذه المصالح، على المستوى الإعلامي ومستوى وسائل التواصل الاجتماعي. هنا أيضا كانت فكرة الابتلاء والامتحان حاضرة، باعتبار أن شخصيتنا الجماعية المفعمة في الطيبة لا تستأهل هذه الحرب.
بهذا وللمرة الأولى تكتشف فئة من السودانيين في الوسط وفي المدن الكبيرة الوجه القبيح للحرب، الموت والدمار ورائحة الجثث ولهيب دخان الحرائق. هذا الاكتشاف والمعرفة جعل المفارقة واضحة وعظيمة بين الرافضين للحرب من حيث المبدأ وبين الداعين لها.
وهكذا بدأت ملامح جبهات عريضة تتشكل، رافضون للحرب ومؤيدون لها من كل الجانبين. في خضم المرافعات المختلفة والتراشق اللفظي بين المعسكرات ازدادت حدة الخطاب وشارفت على مستنقع البذاءة الكبير. يقول البعض مستنكفا من الشكوى من البذاءة، بأن أكبر بذاءة هي هذه الحرب في ذاتها.
وصل الأمر بالبعض في خضم مواجهاتهم مع من يختلفون عنهم، استخدام الأطفال في تطبيقات مثل التيك توك للحصول على اكبر قدر من نقاط الاعجاب والزيارات والمشاركات، وهي الأدوات التي يقاس بها نجاح المنتج أو المحتوى في وسائل التواصل الاجتماعي عموما. ربما كان الأمر هنا من قبيل الصدفة، أو بنوع من الغفلة بافتراض أن الأمر مجرد طرفة.
استخدام الأطفال محفوف بالعديد من المحاذير التربوية والأخلاقية، ويحمد لأحدى الناشطات السودانيات المختصات اثارة هذا القضية بشكل فعال في منابر التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة منبهة لمخاطرها واثارها المدمرة على الأطفال.
قد لا يجد البعض حرجا في استخدام طفله أو طفلته على هذه المنابر من اجل حصد علامات الاعجاب أو المشاركات، والتي تتم ترجمتها غالبا الى كسب مادي في منابر مثل التيك توك أو اليوتيوب. الأمر يتعلق بشكل نسبي بنوع المنتج الذي يشارك الطفل في انتاجه. مثلا “الكاوبوي” الذي يقود شاحنة لعب متعددة المقطورات يحملها بالدجاج والارانب.. الكل يعجب بعالم البراءة هذا.
ولكن ألأمر يختلف حين تدفع طفلك لترديد جمل ونداءات مناصرة للحرب. الطفل لوح ابيض غير مكتوب يتعلم القيم والأخلاق من خلال التربية والتنشئة في البيت والاسرة ومن ثم المدرسة والمؤسسات الدينية والاجتماعية الأخرى. دفعه لمناصرة الحرب، وفظائعها قد تحدث لديه خللا حين يكبر ويعلم ما تورط فيه، خاصة اذا اطلع لاحقا على نتائج الحرب وفظائعها وضحاياها. لا يهون من الأمر هنا أن الدافع كوميدي بغرض الاضحاك، فشر البلية ما يضحك في هذا الزمن.
مجرد تعريض الطفل لعالم السوشيال ميديا ونشر صوره وافلامه، يعتبر انتهاكا لطفولته في المبتدأ لأن الطفل لا يملك قراره ويتوقع من ولي أمره أن يحميه من كل تأثير سلبي أيا كان مصدره، ومتوسط الأب والام العاديين يعلمان أن عالم السوشيال ميديا ليس بالبيئة البريئة الحميدة لتداول صور وفيديوهات طفله.
اما اذا تعلق الأمر بالكسب المادي فإحساس العار سيكون حاضرا لو عمد شخصا على التكسب من طفله. استثمار أي طفل بهذه الكيفية يبطل قداسة عقد الابوة والأمومة الذي يملي على الوالدين افتداء ذريتهم بالغالي والرخيص، بدلا عن جمع المال عن طريق تعريضهم لمحترفي التحديق في هذه الكائنات البريئة.
إبراهيم حمودة – راديو دبنقا