استبدال العملة: أهداف اقتصادية أم مرامي سياسية؟
أمستردام: 11 ديسمبر 2024: راديو دبنقا
بدأت يوم أمس الثلاثاء 10 ديسمبر 2024 عمليات استبدال الأوراق النقدية من فئة 500 جنيه و 1000 جنيه في 7 من الولايات الواقعة تحت سيطرة الجيش السوداني.
ورغم تطمينات بنك السودان المركزي بأنه سيكون متاحا لمواطني الولايات التي تم استثناؤها استبدال أوراق العملة التي في حوزتهم، إلا أن الكثير من المخاوف تحيط بالعملية ككل من حيث توقيتها وشموليتها وإمكانية تحقيق الأهداف الاقتصادية والسياسية المرجوة منها في ظروف الحرب الحالية وحالة الانقسام الجغرافي والأمني التي تعيشها البلاد.
وأفاد بيان صادر عن إعلام مجلس السيادة الانتقالي إلى ترؤس الفريق مهندس إبراهيم جابر، مساعد القائد العام للقوات المسلحة، الاجتماع الثامن للجنة العليا لطرح واستبدال العملة. واستمع الاجتماع إلى عدد من التقارير حول سير عملية استبدال العملة في يومها الأول من قبل اللجان الفنية المشاركة في العملية، ووجه بضرورة بذل المزيد من الجهود والعمل على تسهيل الإجراءات للمواطنين لفتح حسابات مصرفية.
عملية وطنية لتلافي التخريب.
من جانبه، حيا خالد الأعيسر، وزير الثقافة والإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة، ما وصفه بالتفاعل الجماهيري الكبير مع عملية استبدال العملة في كل البنوك والمناطق المستهدفة، وقال “إن ذلك يبرهن إدراك الشعب السوداني، مؤكداً بأن هذه الخطوة تعد عملية وطنية لتلافى التخريب والتدمير الممنهج للاقتصاد السوداني الذي تقوم به المليشيا الإرهابية”.
وأشار الناطق الرسمي باسم الحكومة إلى أن الاجتماع وقف على العديد من الملاحظات والعوائق التي قال إنها لم تكن بالحجم الكبير من خلال الطواف والتقارير الواردة من المراكز والولايات المستهدفة، مبيناً أن الدلائل تشير إلى أن عملية تغيير واستبدال العملة تسير بصورة طيبة بفضل تعاون ووعي الشعب السوداني ، مضيفاً أن اللجان رصدت إقبالاً كبيراً من المواطنين على فتح حسابات مصرفية جديدة.
وسعى خالد الأعيسر إلى طمأنة المواطنين بالمناطق غير المستهدفة في المرحلة الأولى من تغيير العملة، مؤكداً أن اللجنة ستقوم بتنويرهم حول كافة الإجراءات اللازمة، ومعالجة كل القضايا الفنية والإجراءات التي تتيح لهم الحفاظ على أموالهم وتحصين الاقتصاد الوطني ومحاربة محاولات التزوير التي تقوم بها المليشيا في عدد من المناطق والولايات.
الدعم السريع يحذر من تداول الفئات الجديدة
أما قوات الدعم السريع، فقد أصدرت من جانبها قرارا بمنع تداول الفئات الجديدة للعملة في مناطق سيطرتها، وحذرت المواطنين من أن كل من يقوم بالتعامل بهذه الفئات سيعرض نفسه للمحاسبة القانونية. واعتبر إبراهيم بقال، الذي نصبته قوات الدعم السريع واليا للخرطوم، في تسجيل فيديو تم تداوله على منصات التواصل الاجتماعي يوم الثلاثاء أن الفئات القديمة من العملة ستظل سارية المفعول ومبرئة للذمة في كل مناطق سيطرة قوات الدعم السريع.
وشدّد إبراهيم بقال على أن قوات الدعم السريع لا تعترف بأي أوراق نقدية تمت طباعتها بعد اندلاع الحرب، وكرر تحذيره بمحاكمة كل من يحمل الأوراق النقدية الجديدة وأن هذا القرار سيكون ساريا حتى انتهاء الحرب وفي كل مناطق سيطرة قوات الدعم السريع وبما في ذلك الولايات التي يسيطر عليها بشكل جزئي.
لماذا استبدال العملة الآن؟
لكن البروفيسور حسن بشير محمد نور، أستاذ الاقتصاد بالجامعات السودانية والخبير الاقتصادي، اعتبر في حديث لبرنامج ملفات سودانية يذاع مساء اليوم الأربعاء 11 نوفمبر 2024 أن الظروف غير مواتية حاليا لعملية استبدال العملة سواء أن كانت ظروف سياسية أو اقتصادية أو أمنية أو حتى الوحدة الجغرافية للبلاد.
ووصف في حديث لراديو دبنقا دوافع استبدال العملة حاليا بالسياسية لأن عملية استبدالها حاليا لا تستجيب للشروط الاقتصادية والمالية لعمليات الإصلاح النقدي التي يتم في إطارها استبدال العملة.
ونوه الخبير الاقتصادي إلى أن من الدوافع الرئيسية التي منعت الحكومة الانتقالية من تغيير العملة بعد انتصار ثورة ديسمبر المجيدة هو عدم توفر الاستقرار اللازم من جهة وارتفاع تكاليف عملية تغيير العملة من جهة أخرى. وأوضح أن هناك شروط يفترض توفرها قبل البدء في استبدال العملة تتمثل في السيطرة على معدلات التضخم المفرطة والتدهور المستمر في قيمة العملة وانخفاض القوة الشرائية في إطار الإصلاح النقدي الشامل حتى تحقق عملية تغيير العملة أهدافها الاقتصادية والمالية.
تدهور سعر الصرف
وأضاف أستاذ الاقتصاد في الجامعات السودانية إلى أن توفر احتياطات مناسبة من النقد الأجنبي أمر ضروري لأنها تساعد في استقرار أسعار العملة بعد التغيير، حيث لا معنى لاستبدال العملة بوحدات نقدية جديدة في وقت تتأكل فيه قيمتها مما يفقدها قيمتها ويدفع إلى تغييرها مرة أخرى بما يضاعف تكلفتها.
وأشار البروفيسور حسن بشير محمد نور في حديث لبرنامج ملفات سودانية يذاع مساء اليوم الأربعاء 11 نوفمبر 2024 إلى ضرورة سيطرة الدولة على الموارد الاقتصادية في كل أنحاء البلاد، لكن الواقع يقول بأن معظم الموارد الاقتصادية هي خارج سيطرة الدولة حاليا سواء أن كانت تلك الموارد في مناطق سيطرة الدعم السريع أو في المناطق التي لا تتوفر فيها الموارد اللازمة للتشغيل.
أهداف سياسية
وشدد الخبير الاقتصادي إلى أن كل ذلك يؤكد أن عملية استبدال الفئات النقدية لا تستجيب في الظروف الراهنة إلى شروط الإصلاح النقدي التي تحقق الأهداف الاقتصادية المرجوة من العملية برمتها. لذلك فإن الهدف من عملية استبدال العملة الحالية سياسي والغرض منها إخراج الكتلة النقدية الموجودة في مناطق سيطرة الدعم السريع من التداول والسيطرة على الكتلة النقدية في الشق الذي يتم طباعته.
واستدرك أستاذ الاقتصاد في الجامعات السودانية قائلاً بأن تحقيق هذا الهدف السياسي غير مضمون لأن الأوراق النقدية الجديدة وبمجرد تداولها يمكن أن تخرج من النظام المصرفي ويمكن أن تتسرب إلى مناطق الدعم السريع أو حتى إلى خارج السودان. وخلص إلى أن عملية استبدال الفئات النقدية لا تتوفر لها حاليا البيئة الاقتصادية والسياسية الملائمة فضلاً عن عدم السيطرة على التضخم، كما أنه لا تتوفر احتياطات معقولة من العملات الأجنبية ما يثير الكثير من الشكوك بشأن جدواها.