احتجاز محام وزوجته وطفلته في شندي منذ نحو شهر
البرقيق: 22 مايو 2024: راديو دبنقا
تقرير: سليمان سري
احتجزت السلطات السودانية بمدينة شندي في ولاية نهر النيل، أسرة مكونة من أب وأم وابنتهم الصغيرة ذات الثلاثة أعوام منذ الثامن والعشرين من أبريل المنصرم، دون أي أسباب ومنعتهم من التواصل مع ذويهم أو مجرد اخطارهم بأمر اعتقالهم كما لم تسمح لهم بالتواصل مع محاميهم.
وأبلغ مصدر من الأسرة “راديو دبنقا”، أن ابنهم هيثم محمد عبدالله السنهوري “40” عامًا، وهو محام، تحرك مع أسرته المكونة من زوجته شذي عبدالمنعم رجب والتي تعمل في دائرة الأمم المتحدة المتعلقة بالألغام ( UNMAS) وابنته تالين هيثم التي لم تتجاوز الثلاث أعوام من عمرها، تحرك بعربته الخاصة بوكس “دبل كاب” موديل 2016 تحمل اللوحة رقم 44003 من منزل الأسرة الكبيرة من مدينة كرمة النزل بمحلية البرقيق، الولاية الشمالية، في السابع والعشرين من رمضان، الموافق الثامن والعشرين من أبريل المنصرم، متجهًا إلى منزله في مدينة أم درمان الحارة رقم 75 إسكان لتفقده في أعقاب التدمير الذي لحق بكثير من الأعيان المدنية. والذي كان قد خرج منه مضطرًا كغيره من المواطنين، بعد الحرب بشهرين ليقيم مع والديه في منزل الأسرة الكبيرة.
وقال المصدر إنَّ هيثم وصل إلى منزله بأمدرمان وأطمأن عليه وأخذ بعض أغراضه وتوجه في طريق العودة إلى الولاية الشمالية في يوم الثامن والعشرين من أبريل، وكان على اتصال بأسرته في كرمة النزل حتى وصوله لمدينة شندي، حيث أبلغ شقيقه الصغير أنه قام بتغيير إطارات السيارة هناك، وهو “الآن” متوجه في طريقه إلى مدينة عطبرة، وكان هذا آخر اتصال بينه وشقيقه.
بعدها فقد الاتصال بشقيقه وظلت الأسرة في انتظار قدوم ابنها وأسرته الصغيرة إلى منزل العائلة في كرمة النزل، إلا أنهم لم يصلوا ولم تعلم الأسرة أي معلومات عن ابنها وأسرته الصغيرة. وأشار إلى أن خبر اختفاء ابنهم وأسرته الصغيرة أثر على حالتهم النفسية، واعتبر أن هذه الواقعة دليل على عدم وجود قانون أو دولة بالأساس، خاصة وأن أبنهم ليس لديه أي نشاط أو انتماء حزبي ولم يسبق أن تم اعتقاله أو توقيفه لأي سبب.
ومنذ تلك الفترة أصبح هيثم وأسرته في عداد المفقودين والمخفيين قسريًا حيث انقطع الاتصال بينه وأسرته وهو في طريقه من مدينة شندي إلى مدينة عطبرة بولاية نهر النيل وهي المناطق الآمنة التي لجأ إليها الفارون من ويلات الحرب في الخرطوم والولايات الأخرى، كما تقع ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش السوداني.
فتح بلاغ:
تحركت الأسرة، بحسب المصدر الذي كان يتحدث لـ”راديو دبنقا”، في الشروع باتخاذ إجراءات قانونية، وقامت بتدوين بلاغ جنائي في الثاني من مايو 2024م، بالرقم 64 المادة 44 إجراءات جنائية، بقسم شرطة كرمة النزل بمحلية البرقيق، الولاية الشمالية، مع تعميم البلاغ على كل أقسام الشرطة في دنقلا، مروي، عطبرة، الدامر وشندي، وقال لكن دون جدوى فلم يتوصلوا لأي نتيجة ولم يتحصلوا على أي معلومة ومازال البحث جار عن هيثم وأسرته.
لكن مصادر أخرى قريبة من العائلة تحدثت لـ”راديو دبنقا”، وقالت أن الأسرة تلقت معلومة تفيد بأن هيثم وأسرته محتجزين لدى مباني جهاز الأمن بمحلية شندي، وطمأنتهم بأنه بخير ولكن لم يفيد الأسرة بسبب اعتقاله وأسرته خاصة وأن معه بنته الصغيرة لم تتجاوز الثلاث أعوام.
انتهاكات من الطرفين
ومنذ اندلاع حرب الخامس عشر من أبريل من العام الماضي تزايدت حالات الانتهاكات من قبل طرفي الصراع الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بصورة غير مسبوقة، ولم يعد المواطن يشعر بالأمان في أيٌ من المناطق الخاضعة لسيطرة كل طرف.
ويتعرض المدافعون عن حقوق الإنسان وقادة المجتمع المدني والسياسي وأعضاء لجان المقاومة لاستهداف مباشر من قبل طرفي الصراع، بالخطف والاعتقال والقتل، حسب تقارير دولية وثقت لتلك الحالات، كما أن هنالك حالات اعتقال على أساس عرقي واتهام بعض المواطنين، الأبرياء، بالانتماء والتخابر لصالح طرف من طرفي الصراع.
وتفشت ظاهرة الاختفاء القسري، وفي الغالب حين يتم اعتقال أي مواطن، من قبل طرفي الصراع، لا يسمح له بالاتصال بأسرته أو محامييه وكثير من المحتجزين اشتكوا من سوء المعاملة وتعرضهم للتنكيل والتعذيب مع ظروف احتجاز سيئة، ولا يسمح للمرضى بتناول أدويتهم كعقوبة إضافية.
وتواجه العديد من الأسر تهديدات حال تم نشر أي معلومات أو صور عن أبنها المفقود، وكثير من الأسر تحاول أن تسلك طرق الوساطة والأجاويد وبعضهم خضع للابتزاز الذي يمارسه الخاطفون وفي الغالب تطلب عناصر قوات الدعم السريع فدية مالية مقابل الإفراج عن ضحايا الاختفاء القسري.
ارتفاع ضحايا الاختفاء القسري
وفي أبريل الماضي، أعلنت المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري عن إحصائية صادمة للعدد الكلي للمختفين قسريًا، بلغت 1140 شخصًا، بينهم 998 من الرجال، 116 من النساء و27 قصَّر، و11 منهم مرضى نفسيين، ولم تتمكن المجموعة من فتح بلاغات إلا بتدوين 453 بلاغًا بعرائض مختلفة من محاميين.
وفي الأسبوع الماضي اعتقلت السلطات الأمنية بولاية الجزيرة المحامي والناشط المدني صلاح الطيب من منزله بقرية العزازي محلية القرشي 24، وتوفي أثناء تعرضه لتعذيب قاسٍ. وأبلغت السلطات الأسرة بوفاته وأخبرتهم بأنه تم دفنه دون تسليمهم جثمانه.
لكن بنبش القبر بواسطة وكيل النيابة والطبيب الشرعي وجد رأسه مفتوحًا نتيجة لتعرضه للضرب بآلة صلبة وحادة نتج عنها فُرجة في الرأس، وعلى إثر ذلك جاء قرار الطبيب الشرعي أن الوفاة حدثت نتيجة تعرض القتيل للتعذيب.
وفي التاسع من مايو الجاري، أصدر رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، مرسومًا دستوريًا، تضمن تعديلات على قانون جهاز المخابرات العامة لسنة 2010، والذي أعاد للجهاز سلطة التفتيش والاعتقال مع إعادة منحهم حصانة كاملة لأفراد الجهاز والمتعاونين معهم ضد أي إجراءات قانونية جنائية كانت أم مدنية إلا بعد أخذ إذن من مدير الجهاز.
وواجهت تلك التعديلات سيل من الانتقادات والرفض من قبل خبراء قانونيين ومدافعين عن حقوق الإنسان واعتبره البعض انتكاسة وردة عن ما حققته ثورة ديسمبر، وعبر البعض عن القلق بعودة جهاز الأمن إلى سابق عهده في فترة حكم الرئيس المخلوع عمر البشير، والذي كان سببًا مباشرًا في اندلاع ثورة ديسمبر.