أيام الحرب .. مرضى الفشل الكلوي في السودان .. إعدام بالجملة
وقف شاردا خارج غرفة غسيل الكلى في مدينة بورتسودان، التي تتمدد داخلها والدته لإخذ جلستها من الغسيل الكلوي، تتنازعه الحيرة والمخاوف من توقف العمل بالمركز بعد سماعه ما يتردد عن نية العاملين الدخول في إضراب الاسبوع المقبل لعدم صرف مستحقاتهم المالية. يقول أحمد ” قدمنا من الخرطوم بعد توقف مراكز الغسيل هناك واشتداد المعارك … علمنا أن المركز في بورتسودان أكثر المراكز استقرارا وأقدرها على تقديم الخدمة للمرضى ، سارت الامور بشكل مرضي والآن لا نعلم كيف سيكون التصرف حال توقف المركز . “
نداءات الاستغاثة اصبحت تتداعى مؤخرا عبر وسائل التواصل الاجتماعي سعيا لإنقاذ مرضى الفشل الكلوي الذين لا يتحملون انتظارا في ظل حرب ومعارك لم تراعي لوضعهم وسواهم ، بل أن بعض مرضى الغسيل بأمدرمان تعرضوا لمحاصرة من قبل قوات الدعم السريع، حسب بيان لإحدى لجان مقاومة امدرمان القديمة . ناشطون اوردوا أن بعض مرضى الفشل الكلوي بولاية نهر النيل بدأوا في توديع أحباءهم واقاربهم في انتظار موت محقق بعد موت العشرات من المرضى عزت عليهم فرصة جلسات الغسيل.
نقص حاد في الإمداد الدوائي
مراكز غسيل الكلى في العاصمة الخرطوم والولايات كانت ضمن الوحدات الحساسة التي اصابها الإنهيار ضمن القطاع الصحي بسبب نشوب الحرب . فمنذ الاسبوعين الأولين من بداية الحرب خرج 68% من المستشفيات عن الخدمة وتقلص عدد مراكز غسيل الكلى من 38 مركزاً ال 3 مراكز منذ الأسبوع الأول للحرب، بحسب نقابة أطباء السودان، وشهدت مراكز غسيل الكلى نقصا حاداً في الإمداد الدوائي. ولجأ المئات من المرضى الى مراكز الغسيل خارج الخرطوم بالولايات .
مراكز الغسيل في الولايات حاولت جهدها، بعد تضاعف عدد النازحين إليها، بمضاعفة الورديات ولكنها واجهت بنقص الإمداد الدوائي وانقطاع الكهرباء وانعدام الوقود، فضلا عن عدم صرف العاملين لمستحقاتهم المالية، ما أدي لدخول العاملين في عدد من المراكز في إضراب ما انعكس سلبا على المرضى. تمضي الأيام وتتصاعد الحرب وتتزايد معها معاناة المرضى، فانتكست حالات معظمهم بسبب تقليص عدد الجلسات الى جلسة واحدة لكل مريض، كحل لمحاولة توفيق الأوضاع اضطرت عدد من المراكز اللجؤ إليه لتغطية أكبر عدد من المرضى. ففي كسلا يعمل مركز غسيل الكلى بعشرة أجهزة فقط لخدمة حوالي مائتي مريض . وفي نهاية أغسطس أعلن مركز أم روابة خروجه تماما عن الخدمة بعد مواجهته نقص المحاليل والدواء ، فقلص عدد الغسلات الى واحدة قبيل توقفه كلياً، وبات 144 من المرضى يواجهون الموت. وفي دنقلا قررت السلطات الصحية تقليص ساعات الغسيل الاسبوعي الى 6 ساعات في جلسة واحدة (المعدل الطبيعي 4 ساعات للجلسة)، الأمر الذي أثار رفضا من المرضى واسرهم لما قد يتعرضون له من مضاعفات، وسط قلة الحيلة لإيجاد الحلول. وقد سبق ذلك، الخبر الذي هز ضمير المجتمع بوفاة جميع مرضى الفشل الكلوي في مدينة الجنينة غرب دارفور البالغ عددهم (187) ، يونيو الماضي أبان حصارها. وأشارت مصادر لصيقة غير رسمية بأن 40 من مرضى الفشل الكلوي يموتون يوميا في الخرطوم والولايات. وفي الأبيض وحدها توفي 58 مريضا خلال 3 أشهر بعد توقف المركز الوحيد للغسيل.
وجه آخر من المأساة
مرضى الفشل الكلوي من الأطفال تحكي لحالها وجه آخر من المأساة، حيث توفي حتى منتصف يوليو الماضي (22) طفلا منذ بداية الحرب، بعد فقدانهم للأجهزة والأدوية الخاصة بالأطفال مما أضطر الأطباء للجؤ إلى تطبيق بروتكول مخصص للأطفال من أجهزة وأدوية البالغين، ما أدى لتعرضهم لمضاعفات. ويقدر عدد الأطفال المصابين بالفشل الكلوي بين (400- 300 ) طفل في الخرطوم وحدها .
وزارة الصحة الاتحادية بررت الأزمة الأخيرة في بيان، بوصول 20 ألف غسلة من إحدى المؤسسات الخيرية دون (وصلات) مما أعاق استخدامها، وبينت توقع وصول الوصلات خلال الاسبوع، فضلا عن وصول (6500) غسلة في ذات الموعد. مبشرة بترتيبات بين وزارة المالية ومنظمة الصحة العالمية وبرنامج الامم المتحدة للتنمية، لتوفير غسلات تكفي حتى نهاية العام يتوقع وصولها خلال النصف الثاني من سبتمبر الجاري.
ويقدر عدد مرضى الفشل الكلوي في السودان حسب المصادر الرسمية، بأكثر من (12 ألف) (8 آلاف) يخضعون للغسيل وأكثر من (4 آلاف) من زارعي الكلى يتلقون الخدمات عبر (105) من مراكز الغسيل في جميع ولايات السودان منها 38 في الخرطوم . وتقدم المراكز الغسيل بمعدل (210) غسلة كل 3 أشهر بتكلفة (2.500) مليون دولار .