أيام الحرب .. طلاب الجامعات السودانية .. مستقبل عالق
بين ترقب وتوتر لمستقبل ضبابي أمامهم، يعيش مئات الآلاف من طلاب الجامعات بالخرطوم بعد حرب إندلعت في الخامس عشر من ابريل ودخلت شهرها الخامس، جعلت معظمهم بين نازحين داخل ولايات السودان ولاجئين في دول الجوار. أعمال السلب والنهب والتدمير الكامل استهدفت غالب مبان الجامعات والكليات بالخرطوم, ما زاد من قلق وتوتر الطلاب واسرهم على المستقبل، وجعلهم في حالة عدم اليقين في ظل فقدانهم أو عدم تحصلهم في الوقت الحالي لحتى ما يثبت إنتماءهم والتحاقهم بالتعليم العالي أو المؤسسة المعنية. وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أعلنت تخريب 104 من مؤسسات التعليم العالي الحكومية والخاصة والمراكز البحثية جراء الحرب. وتضرر جميع الجامعات الحكومية بالخرطوم ونحو 32 من الجامعات الخاصة والأهلية والكليات الجامعية قد خربت.
ميريت ماهر الطالبة بجامعة الأحفاد في السنة الثالثة قالت: ” لم نتوقع استمرار الحرب كل هذه المدة، نزحنا واسرتي دون هدى الى بورتسودان بحثا عن الأمان، فقدنا كل ما نملك . أمل العودة الى الجامعة يتباعد يوما بعد يوم في ظل تطور واستمرار الحرب…. بدأت في متابعة المنح والتقديم للجامعات في الخارج لأبدأ من جديد، لا نستطيع حتى الحصول على تفاصيلنا أو ما يثبت اننا ندرس بالجامعة أو إلتحاقنا بها ” .
مئات الآلاف من طلاب الجامعات بالخرطوم التي تضم نحو 90 مؤسسة من جامعات حكومية وخاصة وكليات أهلية وأجنبية، بات يتنازعهم وأسرهم الهلع بين ضياع المستقبل والمسؤولية تجاه اسرهم التي فقدت مصادر عيشها وكل ما تملك واصبح أولى أولوياتها البقاء على قيد الحياة والبحث عن ماوى. ميريت تقول : ” إختلف تفكيرنا واحاسنا بالاشياء بعد النزوح واصبحت الحياة معقدة وتغيرت أولوياتنا فاصبح العمل وإيجاد دخل لمساعدة الاسرة أولى من الدراسة … وفي ذات الوقت يتنازعني القلق على مستقبلي ” . رامي عبد الجواد الطالب بجامعة السودان بكلية الهندسة الكهربائية قال : ” بعد قدومنا لولاية النزوح حاولت جاهدا واخي الطالب أيضا العمل لمساعدة الاسرة، فكان ذلك من الصعوبة بمكان، حاولنا الأطعمة ولم نوفق … اركز حاليا على التقديم في المنح المعلنة في الجامعات بالخارج لأبدأ من جديد، فحتى إن توقفت الحرب حاليا فلا ضمان لإستقرار الدراسة، البلد مشكلاتها متعددة بالحرب وبدونها ..” .
يتزايد القلق بعد إعلان وزارة التعليم العالي والبحث العلمي قرارها بتجميد استئناف الدراسة في الجامعات الى أجل غير مسمى . منهية بذلك ما شهده شهر يوليو الماضي من قرارات محمومة في عدد من الجامعات في محاولة لتوفيق اوضاع الطلاب ، تراوحت بين الدراسة الالكترونية عن بعد وتحديد عدد من الولايات باستضافة جامعاتها لطلاب الجامعات بالخرطوم حسب تواجدهم الجغرافي في الولايات وجمهورية مصر العربية، التي تشهد تسجيل أكثر من 20 الفا من الطلاب بجامعاتها. قرارات قوبلت بردود أفعال متباينة من الطلاب واسرهم . آية ابراهيم الطالبة بالسنة الأخيرة في كلية هندسة الاتصالات وتقيم بمصر عقب الحرب، استبعدت امكانية حضورها للدراسة بالولايات وقالت : ” جامعتنا وضعت خيارات الدراسة بمقر جامعات الولايات، ولكن تواجهني مشكلة الحضور للسودان وصعوبة العودة والدخول لمصر الذي اصبح مشكلة في حد ذاتها… ليس امامي خيار سوى الانتظار لمقترح افتتاح فرع للجامعة بمصر ، او الانتظار حتى نهاية الحرب .. لا يمكنني البداية من جديد بعد 5 سنوات قضيتها بالجامعة … اعيش مصيراً مجهولاً…” .
ميريت قالت : ” لا أرى غضاضة في فكرة الدراسة الالكترونية ، فطالما هناك حركة تشعرنا بالأمل في الاستمرار، رغم الصعوبة على البعض في الاماكن النائية … علينا المكابدة للاستمرار وكسب الوقت. (س. خ) والدة أحد الطلاب قالت : ” الكثير من الاسر تعاني للحصول على مأوى في الولايات أو في المعابر وسط جشع تجار الحرب وفقدانهم لكل ما يملكون، وما يعيشه الكثير من الطلاب من فقدان أفراد من اسرهم أو السعي لمساعدة الاسرة للحصول على دخل ، وآخرون لايزالون تحت قصف النيران في الخرطوم، ناهيك عن انقطاع الكهرباء وشبكة الانترنت في معظم الأوقات..” . (ن. ر) عبرت عن موقفها بقولها ” شقيقي في السنة الاخيرة ولم يتبقى له الكثير، رغم صعوبة التحاقه بالولاية الأقرب من ناحية التكلفة المالية في ظل الظروف الحالية ـ ولكن أفضل أن نتحمل التبعات حتى ينال شهادته للمساعدة في العمل والمساهمة في مساعدة الاسرة والعمل بأي دولة عربية”. وعد طالب السنة الأخيرة تحدث بأسى ” ما احسه فقط الضياع بعد خمس سنوات من الدراسة بالجامعة ، لا املك سوى الشهادة السودانية هي فقط ما يثبت مستوى تعليمي … ضاعفت جهدي قبيل رمضان وأثناءه في مشروع التخرج وشارفت على إنهائه ، كانت قد تبقت أيام فقط للجلوس للامتحانات النهائية عقب عيد الفطر واشتعلت الحرب وهانذا أجلس دون ما يثبت حتى إلتحاقي بجامعة والحمدلله ” .
بين قرارات هنا وهناك واستمرار اوار الحرب ، يظل جمود الحال هو المسيطر على مصير مئات الآلاف من طلاب الجامعات وسط ضبابية الرؤى حول مستقبل بات مجهولاً .