أسواق التعدين تتأقلم مع ظروف الحرب وتواصل نشاطها المثير للجدل
امستردام: الاثنين 29يوليو2024: راديودبنقا
تقرير: امين رمضان
لا زال قطاع التعدين الأهلي يحتفظ بحيويته كمنتج ومصدر رزق رئيسي لمئات الاف الشباب السودانيين. بالرغم من تأثره بالحرب الدائرة في البلاد منذ ابريل 2023 لكن القطاع تمكن من التأقلم على مناخ الحرب وتداعياتها مواصلة العمل والإنتاج.
برزت أسواق التعدين وأصبحت قطاعا اقتصاديا رئيسيا في السودان في العام 2011 عقب انفصال جنوب السودان وفقدان السودان جزءا كبيرا جدا من عائدات البترول آنذاك، حيث لجأ لتشجيع التعدين عن الذهب لسد الفجوة التي خلفها نقص موارد البترول.
يتنشر التعدين في كل ولايات السودان تقريبا لكن ولايات دارفور وكردفان والشمالية ونهر النيل وشرق السودان هي أبرز الولايات المنتجة للذهب التي تنتشر فيها مواقع شركات التعدين عن الذهب والتعدين الأهلي. رافق انتشار مواقع التعدين ظاهرة الأسواق المرتبطة بها والتي توفر احتياجات المعدنين وتوفر بدورها فرص عمل لمئات الالاف من العمال والتجار والحرفيين والمهنيين الذين يقدمون خدماتهم للعاملين في هذا القطاع الحيوي.
اعداد وفئات العاملين
قال حاتم حسن الناشط في مجال حماية البيئة بمنطقة ابى صارة بالولاية الشمالية لراديو دبنقا ان الولاية الشمالية بها حوالى سبعة اسواق تعدين رئيسية منها سوق البوم، سوق (625) وسوق عبري وان هذه الأسواق يعمل فيها مئات الالاف من العمال والتجار.
ومن اللافت أن أسواق التعدين يكاد يقتصر العمل فيها على الذكور فقط إلا في حالات نادرة تشاهد في النساء العاملات في بيع الطعام في الأسواق القريبة من المدن الكبيرة.
يشكل الشباب الغالبية العظمى من العاملين في أسواق التعدين لصعوبة وقسوة الظروف المعيشية فيها، كما اجتذبت أسواق التعدين عاملين من جنسيات من دول مختلفة أبرزها من دول اثيوبيا، النيجر وتشاد ولم يحظ غالبية العاملين في هذه الأسواق إلا بتعليم محدود.
المهن
قال حاتم حسن ان أسواق التعدين في الولاية الشمالية بها أنشطة تجارية كثيرة وتشتهر بالمطاعم، محلات بيع الملابس والهواتف واندية المشاهدة وأسواق المواشي إضافة إلى مواقف للسفريات.
البيئة الصحية
قال ناشطون في مجال حماية البيئة لراديو دبنقا ان البيئة الصحية في هذه الأسواق متردية للغاية، حيث تنتشر فيها البرك وتراكم الاوساخ مما يشكل بيئة خصبة لتوالد البعوض والذباب اللذان يتسببان في نقل الكثير من الامراض، إضافة لانتشار محلات الذبيح التي لا تخضع للرقابة الصحية (الكيرى) بالقرب من محلات بيع الأطعمة مما يشكل خطرا على صحة العمال.
ونبهوا إلى انتشار الاتربة الملوثة بالمواد السامة كالزئبق والسيانيد الامر الذي ساعد على انتشار الكثير من امراض الجهاز التنفسي وسط المعدنيين ومرتادي هذه الأسواق مثل السل وكذلك الحميات.
وكشف معدنون عن انعدام المراكز الصحية المهيئة والصيدليات في هذه الأسواق عدا القليل التي وصفوها بغير المطابقة للمواصفات الصحية كما ان هذه الأسواق لا تخضع لاي رقابة من قبل السلطات الصحية المحلية عدا بعض التدخلات الصحية المحدودة من قبل جمعيتي الهلال الأحمر السوداني وتنظيم الاسرة السودانية واللتان تقدمان بعض الادوية والتوعية في أوساط المعدنين.
الجانب الأمني
لا تتمتع أسواق التعدين بخدمات امنية تذكر لا تتوفر فيها مراكز للشرطة والدفاع المدني وعربات الإسعاف مما يشكل تهديدا وخطرا على المعدنين والتجار في هذه الأسواق.
وأشاروا إلى انتشار الكثير من الجرائم أمثل السرقات وترويج المخدرات اضافة إلى جرائم الاعتداء الجنسي على القصر.
ونبهوا إلى انتشار الأسلحة غير المقننة خاصة لدي تجار الذهب بغرض الحماية الشخصية كما يشكل اسلاك توصيل الكهرباء المهملة على الارض خطرا اخرا علي حياة المعدنين ومرتادي الاسواق.
الوجه المشرق
مقابل كل تلك السلبيات هنالك إيجابيات واضافات في غاية الأهمية لاسواق التعدين التي تحتاج للكثير من التطوير والتنظيم وستبقى اسوق التعدين ما بقي قطاع التعدين الأهلي كمورد اقتصادي لا يمكن الاستغناء عنه لمئات الالاف من العاملين فيه وللاقتصاد الوطني.
وقال مواطنون في الولاية الشمالية ان أسواق التعدين بها جوانب إيجابية كثيرة منها الجانب الاقتصادي حيث أسهم تحريك الاقتصاد المحلي وتنشيطه وخلق فرص عمل جديدة للمجتمعات المحلية خاصة لفئة الشباب كما ان أبناء المنطقة الذين يمتلكون راس مال وآليات استفادوا من أنشطة التعدين عن الذهب وأسهموا بدورهم بشكل كبير في التنمية خاصة في مجالات الخدمات الأساسية كالتعليم والكهرباء ومصادر المياه.
كما ان السلطات المحلية والوحدات الإدارية في المجتمعات المحلية تتحصل على مبالغ كبيرة من أسواق التعدين وذلك عبر نقاط التحصيل وهي تشكل مصدر دخل رئيسي للمحليات للانفاق على الخدمات العامة.
في الجانب الاجتماعي ذكر ناشطون في المجتمع المحلي ان اسواق التعدين ساعدت المجتمع المحلي على التعرف على الكثير من الثقافات المختلفة من انحاء السودان وذلك من خلال التلاقي بين افراد المجتمعات المحلية والمعدنين في الأماكن العامة والأسواق، هذا إلى جانب تبادل الأفكار والتعرف على الاخر عن قرب وذكروا ان القادمين من ولايات دارفور وكردفان على سبيل المثال يبدون دهشتهم من واقع انسان الولاية الشمالية المغاير لما كان يقال ويروج عبر الساسة.
ولكن …
كشف مواطنون ان اسوق أسواق التعدين بجانب التأثير الإيجابي على الصعيد الاقتصادي كذلك لها انعكاسات سلبية على اقتصادات المجتمعات المحلية حيث ساعدت على رفع الطلب وبالتالي أسعار السلع الاستهلاكية والخدمات. وفاقم توفر العمل والكسب السريع للشباب ساعد ظاهرة تسرب الأطفال من المدارس وترك الكثير من المزارعين حرفتهم وتوجهوا إلى التعدين والمهن المصاحبة له الامر الذي ادي إلى تدمير الزراعة في الولاية.
من سلبيات التعدين كذلك ان بعض المعدنيين يقضون فترات طويلة من اسرهم قد تمتد لأعوام وذلك لكسب المزيد من المال او ان بعضهم لم يحالفهم الحظ لعدم التوفيق في الحصول على المال.
وأشاروا إلى ان السلطات المحلية والشركة السودانية للموارد المعدنية تجنى أموال طائلة من أسواق التعدين الا انهما لا يقدمان في المقابل شيء للعمال المعدنيين والتجار في هذه الأسواق.