أزمة في معبر “أرقين” بسبب إعادة التخطيط
أمستردام: 28 يونيو 2024م: راديو دبنقا
تقرير: سليمان سري
أصدرت وحدة النقل البري والمعابر التابعة لوزارة النقل قرارًا قضى بإزالة كافة المباني الملحقة بمعبر أرقين الحدودي بين السودان ومصر، من محال تجارية ومطاعم ومساكن المخلصين وعمال الشحن والتفريغ، وذلك بهدف إزالة ما وصفته بالمظاهر العشوائية وإعادة التخطيط للمنطقة وتحسين البيئة والواجهة الحضارية للمعبر. إلا أن القرار واجه معارضة ورفض واسع من قبل جميع المتضررين من الإزالة ووصفوا القرار بالجائر والمتعسف في حقهم في ظل عدم توفر بدائل، ومحاولة لعملية إحلال وإبدال بتسليم المنطقة لمستثمر وتحقيق مصالح شخصية.
ونشرت وحدة النقل البري إعلانًا تحصل عليه “راديو دبنقا” بمثابة إنذار لجميع أصحاب المحال التجارية ومساكن عمال الشحن والتفريغ، أمهلتهم فترة ثلاث أسابيع لتوفيق أوضاعهم ولوحت باتخاذ إجراءات قانونية في مواجهة المخالفين.
إدخال مستثمر:
وقالت إدارة المعبر في منشورها أن القرار جاء تنفيذًا لتوجيهات المدير العام لوحدة النقل البري والمعابر والقاضي بضبط المساحات المستخدمة داخل المعبر وحرمه وداخل المساحات المخصصة لوحدة النقل البري والمعابر بشهادة بحث “2 كلم مربع”.
ووجه القرار بمنع إنشاء أي مباني جديدة بأي نظام إنشاء سواء كان داخل أو خارج المعبر، كما وجه مستخدمي المساحات الخارجية في الناحية الغربية من الطريق القومي من سور المعبر الجنوبي بتوفيق أوضاعهم وإزالة الإنشاءات “المباني” في مدة أقصاها ثلاثة أسابيع من تاريخه وذلك لغرض تخطيط المنطقة وتحديد المناطق الخدمية حتى يتم تقنين الوضع لمستخدمي المساحة تفاديًا للحوادث التي تحصل في الطريق.
وأنذرت إدارة المعبر الجهات المهددة بالإزالة بأنه في حالة عدم توفيق أوضاعهم وتنفيذ الإزالة خلال فترة السماح المذكورة، فإنها ستقوم بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية المختصة باتخاذ كآفة الإجراءات القانونية اللازمة.
ولفتت إدارة المعبر إلى أن المرحلة الأولى تتعلق باستخراج السوق ومساكن عمال الكلة وسيكون التعامل مع الدولة عن طريق الإيجار وفق منشور وزارة المالية الخاص بالإيجارات.
وقالت سيتم تخطيط الناحية الشرقية للطريق القومي بعد الانتهاء مباشرة من تخطيط الناحية الغربية وتسليمها لمستثمر وسيكون التعامل بتقديم طلب ودفع مبلغ أورنيك 15 حسب المساحة عليه يتم عمل العقد.
شكاوى ورفض:
واشتكى المتضررون من قرار الإزالة الذي يشمل 200 بناية سكنية تتبع للمخلصين وعمال الشحن والتفريغ، إضافة إلى ما يقارب الـ 300 من المحال التجارية من مطاعم وكافتريات، في ظل عدم توفر بدائل في منطقة صحراوية لا يوجد فيها إعمار.
وفجر القرار عدد من القضايا والتي وصفها العمال وأصحاب المحال بمظالم قديمة ومتراكمة فضلوا عدم إثارتها طيلة الفترة الماضية، بسبب وعود المسؤولين خلال زياراتهم من حين لآخر بمعالجتها، والتي تتعلق بمشاكل المياه التي تستجلب بصعوبة من النيل ويواجهون صعوبة في الحصول عليها من إدارة المعبر والكهرباء وارتفاع تكاليفها بجانب شكواهم من سوء المعاملة من قبل إدارة المعبر. ووجهوا لها اتهامات بالفساد والتجاوزات المالية من خلال تحصيل مبالغ مالية خارج أورنيك 15.
وقال عدد من عمال الشحن وأصحاب المحال التجارية والمطاعم الذين تحدث معهم “راديو دبنقا” وفضلنا عدم ذكر أسمائهم لمحاذير أمنية، أن حقوقهم مهضومة وأن هنالك ظلم يقع عليهم من سوء المعاملة من قبل إدارة المعبر. في حين أنهم يتعاونون مع إدارة المعبر مشيرين إلى أنهم شاركوا في إطفاء الحرائق التي اشتعلت داخل المعبر عدة مرات معرضين حياتهم للموت.
عدم وجود تخطيط:
وشككوا في قرار الإزالة وقالوا إن القصد من ذلك إبعادهم عن هذه المنطقة وتوزيعها فيما بينهم باستجلاب آخرين في عملية إحلال وإبدال، ورأى البعض أن الوقت غير مناسب والبلاد مشغولة بالحرب مع تدهور الوضع الاقتصادي، وعبروا عن رفضهم لفكرة إدخال مستثمر مؤكدين بأنها ستكون عملية إيجار من الباطن باعتباره وسيط بينهم وإدارة المعبر، واستبعدوا أن يعالج المستثمر كل مشاكل المعبر والمنطقة الملحقة به، وقالو إنه لن يفعل شيء وسيظل الحال على ما هو عليه إن لم تتدخل الدولة وتعالج مشاكل البنية التحتية من ماء وكهرباء وخدمات.
وهددوا بمقاومة القرار بكافة الوسائل السلمية والطرق القانونية وحال اضطروا الدخول في إضراب شامل عن العمل واعتصام واسع، سيشمل المخلصين وعمال الكلة والمتضررين من الإزالة مذكرين بأن المعبر مرتبط بالجانب المصري وأي تكدس سيؤثر على انسياب سير العمل، كما أنه يضخ أموال طائلة لخزينة الدولة من عائدات الجمارك والمواصفات والضرائب وخلافه.
ولفتوا إلى ضرورة أن تهتم إدارة المعبر بتحسين بيئة العمل والتعاون مع عمال الشحن والمخلصين باعتبارهم شريحة مهمه في المعبر ولولاهم لما عمل المعبر على مدار الـ٢٤ ساعة، وطالبوا بالاعتراف بهم كشركاء في تشغيل المعبر ومعاملتهم كبشر وإعطائهم حقوقهم في الكهرباء والمياه وبقية الخدمات. مشيرين إلى أن الدخل اليومي للمعبر يمكنه من معالجة كل هذه المشاكل التي يعاني منها الجميع يوميًا.
وأوضح عدد من العمال وأصحاب المحال التجارية أنه لا توجد معايير وخطط حقيقية للإزالة وإنها خاضعة لمزاج شخصي، مشيرين إلى أن هنالك استثناء لبعض المحال من الإزالة وقالو في المرة الأولي تم تحديد مساحة 120 متر للإزالة وحينما اتضح أن أحد المنتفعين ولديه قرابة الخمسة وعشرين محل سيتضرر تم التراجع لتحدد الإزالة بمساحة 90 متر. وتم التراجع عن ذلك القرار أيضًا.
وذكروا أن إدارة المعبر قررت إبعاد سكن العمال لمسافة إثنين كلم عن المعبر إلا أن ذلك القرار غير عملي ووجد معارضة شديدة منهم لبعد المسافة وعدم توفر مواصلات مع ارتفاع درجات الحرارة. وطالبوا بتشكيل لجنة فنية للقيام بالتخطيط مع الالتزام بالحفاظ على حقوقهم كاملة وبنفس المساحات.
استثناء نجل المدير:
أشار شهود عيان في حديث لـ”راديو دبنقا” إلى واقعة حدثت في الآونة الأخيرة تتعلق بأن أحد المخلصين ذهب إلى مكتب مدير المعبر، واحتج على قطع الامداد الكهربائي منذ شهر رمضان عن سكن المخلصين وعمال الكلة، وقالوا أن المدير قام بطرده من المكتب إلا أنه رفض الخروج باعتباره في مرفق حكومي.
وأشاروا إلى واقعة أخرى حدثت تتعلق بمد ابن مدير المعبر بالكهرباء دون الآخرين ولم يجدوا تفسيرًا لذلك لكنهم حين احتجوا لإدارة المعبر في غياب المدير قامت الإدارة المتواجدة هنالك بقطع التيار الكهربائي عنه.
واستفسر “راديو دبنقا” مدير معبر أرقين عاطف حامد حول اسباب انقطاع الكهرباء عن المعبر وتوصيلها لأبنه دونًا عن الآخرين، فأجاب بأن ابنه كان معه في العيد وعاد إلى معبر أرقين قبل ثلاث أيام، وهو بذلك لا يعلم شيء لكنه قال حتى ولو حصل انه وصل كهرباء فهذا سلوك فردي يحاسب عليه هو. أي أن الأمر لا يعنيه في شيء.
وقال: أما باقي ماورد من شكاوى من عمال الشحن والمتضررين من الإزالة، فهنالك مدير موجود مسؤول عن تسيير العمل بإمكانه الرد على هذه الشكاوى، باعتباره لازال في إجازة العيد، وأضاف: أنا سافرت قبل العيد من ارقين.
التخطيط والحفاظ على الحقوق:
واعتبر الخبير النقابي محجوب كناري أنه من حق إدارة المعبر التخطيط والتخلص من المظاهر العشوائية.
وقال لـ”راديو دبنقا”، أن المعبر يمر به أجانب وتمر به بضائع تتطلب أن يكون هنالك نوع من النظافة ومحاذير صحية للأطعمة التي تمر والبضائع والبشر.
لكنه رأى بأن هنالك إجراءات يجب أن تراعى. فالمعبر بخلاف ما يقدمه لجمهور المواطنين العائدين والمغادرين، فهو يشكل مصدر دخل اقتصادي لعدد كبير من العمالة وهم من أهم القطاعات التي تعمل في هذا المعبر هم عمال الشحن والتفريغ الذين يقع عليهم عبء كبير كونهم يمارسون عمل شاق في ظروف مناخية صعبة وبيئة عمل غير مناسبة إطلاقًا.
وقال إن القرار له تأثير على عمال الشحن والتفريغ وخاصة وأن البلاد تمر بظروف حرب وقبل ذلك فهي تمر بأزمة فراغ نقابي، ورأى أنه لا يمكن مقارنتهم برصفائهم من عمال الشحن والتفريغ في الميناء الكبير في ببورتسودان، فهؤلاء أكثر تنظيمًا ولديهم نقابتهم وجمعيتهم التعاونية ، معتبرًا أن ذلك ليس سببًا كافيًا في أن يمارس عليهم ما وصفه بالظلم.
مراجعة القوانين:
واعتبر الخبير النقابي محجوب كناري في حديثه لـ”راديو دبنقا” أن هذا الظلم واضح في تركهم لمستثمرين يرفعون لهم أجرة السكن مع رفع إيجارات المحال التجارية والمطاعم وغيرها ما يضاعف أسعار الخدمات التي تقدم لهم، ورأى أن هذا بخلاف ما سماه بالاستغلال من الحكومة نفسها. بفرض رسوم على عمال الدرداقة وعمال الشحن والتفريغ، وقال لا يمكن أن يدفع الشخص رسوم مقابل أن يعمل، واعتبر أن ذلك ظلم مضاعف ويكفي أنه سيعمل في عز ارتفاع درجة الحرارة وبيئة عمل غير إنسانية، وقال إن هذا السلوك لا تقره القوانين المحلية ولا الاتفاقيات الدولية ولا مواثيق حقوق الإنسان.
وعبر الخبير القانوني عن اعتقاده بأن على مدير إدارة المعبر أن يراعي لظروف العاملين مثلما يراعي لظروف التجار المؤجرين، أن يتم فرض رسوم على كل من يدخل الميناء وقال إنه نظام غير إنساني ومتعسف، ورأى أنه من الأولى دعم .هذه العمالة بدلاً من إجبارهم على دفع رسوم من دخلهم الضعيف
وأوضح أنه ليس ضد تنظيم العمل في الموانئ ولكن يجب أن تتوفر فيها الحد الأدنى لبيئة العمل المناسبة للعاملين وللمواطنين العابرين أو الأجانب، لكن ليس بهذه القسوة، وقال أنه يجب مراجعة القوانين وأن تقاوم مثل هذه القرارات بالقوانين الموجودة حاليًا رغم علاتها في محاكم العمل والمحاكم الإدارية بكل الدرجات في وادي حلفا.