أثر حرب ابريل على حرية التعبير والصحافة في السودان
غياب الاعلام المهنى يفتح الباب امام المعلومات المضللة وخطاب الكراهية والعنصرية والحشد للحرب
مديحه عبدالله
لعل السؤال والاجابة الاكثر ترددا كانت بين الصحفيين والاعلاميين لحظة اندلاع الحرب هما : السؤال ماذا يحدث؟ الاجابة : لا احد يدرى شيئا !
لعل هذا المدخل يمثل المقدمة المناسبة لهذا التقرير الذى يحاول أن يسلط الضوء على ازمة تعترض حرية التعبير والصحافة فى بسبب حرب 15 ابريل 2023 فى السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع ،وهى لم تبدأ مع الحرب الا أنها تفاقمت بسبها لدرجة تهدد حق حرية التعبير والصحافة والحصول على المعلومات، وتهدد الصحفيين والصحفيات انفسهم و المؤسسات الصحفية والاعلامية مما يعد احد اسباب عرقلة قيام دولة مدنية بعد انتهاء الحرب .
ارهاصات الحرب وغياب المعلومات
كانت ارهاصات الحرب وافرة بينما ظل الخطاب الرسمي ينكر أي توتر بين الجيش وقوات الدعم السريع ،حيث كشفت تقارير اخبارية مختلفة عن سيولة امنية وحركة تجييش وتسليح من قبل قوات الدعم السرع والجيش وظهور مليشيات مختلفة في ولاية الخرطوم، واتساع رقعة الخلاف بين قائدي الجيش والدعم السريع وعدم الانسجام داخل مجلس السيادة ، وتبادل الهجوم علنا بشأن المسؤولية عن انقلاب 25 اكتوبر 2021 ،وتصاعدت الاحداث اثناء وبعد انعقاد ورشة الترتيبات الامنية في اطار مساعي الترتيب لتوقيع الاتفاق الاطارى بالذات في الجزء الخاص بدمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة وتفاقمت الاوضاع عندما وضع قائد الدعم السريع شرطا مسبقا لعملية الدمج اطلق عليه تنقية القوات المسلحة من عناصر نظام الانقاذ من الاسلاميين وان تتم عملية الدمج خلال عشر سنوات بينما رفض قادة .الجيش تلك الشروط
ورغم كل تلك المؤشرات بل والحديث عن احتمالية الحرب بين الجيش والدعم السريع وهو ما صرح به المبعوث الأممي فولكر بيرتس حيث ذكر حسب ما جاء في موقع (العربية 29 مارس 2023) من أن المواجهة بين الجيش السوداني والدعم السريع واردة لكن غير مرجحة
الا أن الاعلام ركز على ابراز تصريحات مختلف اطراف النزاع وساعد ذلك الرأي العام على توقع الصدام المسلح لكن متى وكيف واين ظلت حلقة من حلقات المعلومات المهمة التي كانت من الممكن ان يقوم بها الاعلام لرفع درجة الحذر لدى المتلقين وامكانية تفادى الكثير من الانتهاكات التي وقعت عقب اندلاع الحرب مباشرة ، خاصة ان المواقع العسكرية الاستراتيجية لطرفي الحرب موجودة داخل العاصمة وفى مواقع مكتظة بالمدنيين مثل القيادة العامة ومطار الخرطوم الدولي القصر الرئاسي وغيرها من مواقع السلطة الحساسة ذات الطابع العسكري .
ورغم إرهاصات الحرب باشر سكان العاصمة حياتهم اليومية بشكل عادى حتى التاسعة صباحا من يوم السبت الخامس عشر من ابريل ليجد من كان في مواقع العمل والدراسة والاسواق ووسائل النقل انفسهم في مواجهة مع حرب اندلعت في عاصمة لم تختبر هذا النوع من الحروب ولا تملك ملآذات آمنة لحماية المدنيين ، ونجم عن ذلك قتل عدد من المواطنين منذ اليوم الاول وحالات احتجاز في مقار العلم والعمل منهم اعلاميين حيث (احُتجز (15) صحافياً في وكالة السودان للأنباء لمدة 72 ساعة في مقر عملهم بجانب اثنين من العمال في الوكالة. كذلك احًتجز صحافيون يعملون في قناتي الحرة و«روسيا اليوم» في بناية وسط الاشتباكات لمدة 72 ساعة، و(5) آخرون يعملون في وكالة «تانا فورميديا» لمدة 72 ساعة، كما تعرض مكتبهم لإطلاق نار، بالإضافة إلى مراسل قناة الشرق الإخبارية أحمد العربي وزميله المصور اللذين احتجزا في اليوم الأول لاندلاع المعارك من قبل قوة مسلحة بالقرب من مطار مروي وأطلق سراحهما لاحقا. وتعرض مكتب القناة ذاتها إلى إطلاق نار يوم الأحد 16 أبريل/ نيسان) ( صحافيو السودان يدفعون ثمن الحرب :اعتداءات واقتحام منازل وتهديد ،تقرير القدس العربى25 مايو 2023
اوضاع الصحافة والاعلام بعد اندلاع الحرب مؤسسات وصحفيين وصحفيات
وضع الاذاعة والتلفزيون :
تسيطر قوات الدعم السريع منذ اندلاع الحرب على مقر الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون في أم درمان، وباتت المنطقة ومحيطها مسرحا لعمليات عسكرية متواصلة يوميا، حيث يحاول الجيش مهاجمة الارتكازات والسيطرة على المقر باستخدام القصف المدفعي والأسلحة الثقيلة حتى الاول من اغسطس 2023 وفقا لتقرير قناة الجزيرة
لماذا التركيز على هذه المؤسسات ؟ لانهما تاريخيا وطيلة الانقلابات والاحداث العنيفة الدموية التي شهدتها البلاد كانت الاذاعة والتلفزيون محط انظار من يرغب في الاستيلاء على السلطة وعقب انقلاب 25 اكتوبر 2021 احاطت قوات الدعم السريع بمبنى الاذاعة والتلفزيون وحتى اندلاع الحرب ، واصبحت منطقة حربية ويشكل ذلك تهديدا لحياة العاملين كما انه وضع يتنافى ووضع المؤسسات الاعلامية كمؤسسات مدنية ،وذكر نقيب الصحفيين عبد المنعم ابو ادريس في حديث عبر التليفون ان هناك تهديداً للأرشيف الصحفي وهو ارث إنساني عمره أكثر من 72 عاما في الاذاعة وحوالى 62 عاما في التلفزيون
وحاولت القوات المسيطرة تشغيل الاذاعة الا أنها فشلت ،وذكر الصحفي فيصل محمد صالح فيصل في مقال ان قوات الدعم السريع منذ اندلاع المعارك (سيطرت على مباني الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون بأمدرمان والتي تضم عددا من القنوات العامة المتخصصة بالإضافة الى محطتي الاذاعة والتلفزيون الرئيسيتين وعدد ايضا من المحطات العامة والمتخصصة وكذلك مباني هيئة البث الإذاعي والتلفزيوني التي تمد محطات الاذاعة والتلفزيون الخاصة بالموجات والترددات التي تبث عليها ولأسباب فنية ولغياب الخبرة المتخصصة لم تستطع قوات الدعم السريع الاستفادة من ميزة سيطرتها على المباني والاجهزة اذ لم تستطع تشغيلها والاستفادة منها الا من بث ضعيف متقطع لإذاعة ام درمان وللأسباب نفسها غابت محطات التلفزة الخاصة وعشرات من محطات ال (إف إم) الخاصة لارتباطها بهيئة البث من ناحية ولوجود مبانيها ومكاتبها في مناطق الحرب وبعد اسابيع من الحرب بدأ تلفزيون السودان البث عبر إحدى المحطات الاقليمية لكن انحصرت البرمجة في مواد التعبئة والحشد العسكري ) فصيل محمد صالح –مقال -حرب بلا اعلام وطني الشرق الاوسط 31 يوليو 2023
ويمكن الاشارة الى المخاطر التي تواجه الصحفيين والصحفيات داخل مؤسساتهم منذ بداية حرب ابريل 2023 وتتمثل في الاحتجاز في مواقع العمل ، اقتحام المكاتب والمؤسسات الاعلامية وارهاب العاملين بها، اقتحام المنازل والتهديد وسلب الممتلكات من قبل قوات الدعم السريع، التهديد عبر المكالمات الهاتفية ، واطلاق نار اثناء تأدية العمل كما تعرض المراسلين لمؤسسات اعلامية خارجية للملاحقة ونهب ادوات العمل والتعطيل، وتعرضت مؤسسات صحفية للاقتحام ومحاولات تعطيل العمل ( صحافيو السودان يدفعون ثمن الحرب :اعتداءات واقتحام منازل وتهديد ،تقرير القدس العربى25 مايو 2023)
اوضاع الصحفيين والصحفيات
ووفقا لبيان صادر من نقابة الصحفيين السبت 8/7/2023 فقد تسببت الحرب في تشريد 220 صحفيا من مناطقهم نزح منهم( 150 ) خارج مواطنهم الى قرى متفرقة في السودان معظمهم عاطلين عن العمل ، واشارت الى لجوء( 70) صحفيا الى دول الجوار معظمهم بلا عمل ، بينما مصير عشرات الصحفيين في دارفور لايزال مجهولا ، لصعوبة الاتصال بهم في وقت يوجهون فيه مخاطر يومية اثناء بحثهم عن الحقيقة وسط القتال ، وقتلت الصحفية سماهر عبد الشافع بعد انتقالها رفقة اسرتها من منزلها الى مخيم نزوح حيث اصيبت بقذيفة ، وتم اعتقال الصحفي رمضان محجب فيما تعرض على شطة المصور بالتلفزيون لأطلاق نار ، وكل من اسامة سيد احمد واحمد البصيلي لإطلاق نار في منطقة عملهم في منطقة يسيطر عليها الدعم السريع ثم اعتدى افراد من الشرطة من بورتسودان على الصحفي الامين الشيخ، ويواجه الصحفيون التضييق على عملهم في الولايات خاصة فيما يتعلق برصد اوضاع الفارين من مناطق القتال ثم تعرض منزل 14 صحفيا للاقتحام والاستيلاء على سياراتهم كما يواجهون صعوبات في الحصول على تصديقات العمل في ولاية الجزيرة .
ويواجه الصحفيون والصحفيات النزوح بكل تبعاته القاسية وتشتت الاسر، حيث اضطر البعض للإقامة في مناطق بعيدة (مدارس بيوت يوفرها المواطنون) لا تتوفر بها امكانية للعمل الإعلامي والا شبكة انترنت وبذلك فقدوا فرص العمل واصبحوا في حالة عطالة و وفى حاجة للدعم المادي.
بعض الصحفيين والصحفيات فضلوا البقاء في المدن الكبيرة حيث يتسنى لهم الحصول على فرص عمل بينما اضطرت اسرهم للذهاب الى الاهل والاقارب في القرى، والبعض يقوم بأعداد تقارير لصالح مؤسسات اعلامية خارج السودان بينما يظل اغلب الصحفيين والصحفيات خارج سوق العمل
افادات
اهم ملامح المعاناة الشخصية للصحفيين والصحفيات، هذه افادات من بعض الصحفيات والصحفيين توضح اوضاعهم الاجتماعية عقب الحرب
الحرب تكاد تكون اوقفت كل شيء على المستوى الشخصي والمهنية
اعلامية تعمل في الاذاعة والتلفزيون قالت عملي في الاذاعة بدون مبالغة هو كل حياتي فانا اعمل في مجال الاعداد البرامجي والاخراج والتمثيل والتأليف وتواجدي في البيت يظل في الغالب امتداد ليوم عملي ،لذلك وبسبب الحرب فقدت كثير من تفاصيل حياتي اليومية ،اصبحت اليوم عاطلة عن العمل انا التي كنت اعمل كإعلامية منذ ما يقرب من 29 عاما واعتمد اقتصاديا على نفسى واقوم بإعالة أسرتي تحولت لشخص يبحث عن الدعم ،اشد ما يحزنني ان الساعة (الداخلية ) لدى مازالت تعمل تنبهني لوقت ذهاب الابناء للمدارس والجامعات في حين لا توجد لا مدرسة ولا جامعة ولا حياة الحرب سلبتنا استقرارنا وقرارنا، مقابلة بالتليفون 21 يوليو 2023
نجوت من الموت بأعجوبة
وقال صحفي يعمل في احد المواقع الاخبارية : منذ اندلاع الحرب نجد صعوبة في التواصل مع مصادر الاخبار ونعتمد على البيانات الصادرة من المنظمات الدولية والمحلية ومن طرفي الحرب والاخيرة تشوبها الدعاية والترويج للانتصارات مع صعوبة التحقق من المعلومات والتأكد من مصداقيتها في ظل تقييد حركة الصحفيين عدم توفر سبل الحماية والسلامة لهم مما اوجد صعوبة الى الوصول الى مناطق الاحداث للتحقق من ما يحدث على ارض الواقع، لذلك كان التفكير في الخروج من دائرة الحرب اولوية بالنسبة لي ثم التفكير في سبل القيام بالعمل الصحفي بالذهاب الى مدن اخرى آمنة واستغرق ذلك قرابة شهرين لحين الحصول على وضع مستقر خصة بعد وقعت في منزلنا دانة وانفجرت ونجوت من الموت بأعجوبة، ذهبت لدولة جنوب السودان لإيجاد طريقة لاستئناف العمل واثناء رحلة الخروج من الخرطوم خضعت للتفتيش من قبل اطراف الحرب في الارتكازات التي يغشونها في المواقع المختلفة في الخرطوم وخارجها ، اضافة للأسئلة الدقيقة حول اذا كنت ادعم طرف من اطراف الحرب ، ولان المحطة الاذاعية التي اعمل بها تركز على ولايات دارفور لم تعد هناك شبكة انترنت بسبب الحرب التي ادت الى تعطل الشبكة وخروجها من العمل بشكل كامل مع انقطاع الكهرباء في مدن دارفور مما اوجد صعوب كبيرة في التواصل مع مراسلين المحطة هناك لنعرف ما يحدث ولنقل المعلومات من مصادر ثقة في مدن دارفور المختلفة خاصة التي شهدت وتشهد نزاعات ،رجعنا الان نعمل بشكل يمكن ان نقول بنسبة 50 بالمائة (تم اجراء المقابلة بتاريخ 21 يوليو عبر تسجيل صوتي بالتليفون )
منذ اول رصاصة صرت قيد الايقاف الإجباري
وقالت صحفية تعمل في موقع إخباري الكتروني : منذ انطلاق الرصاصة الاولى تغير كل شيء في حياتي ،فقدت عملي ولم اعد اقوم بعملي كصحفية بسبب مخاطر الحياة في الخرطوم فانا عالقة مع أسرتي في منطقة شديدة الخطر حيث لا تتوفر فرص حماية للصحفيين والصحفيات تمكنهم من القيام بعملهم دون ان يتعرضوا واسرهم للخطر، واناشد المنظمات الدولية المهتمة بحرية التعبير والصحافة ان تعمل على توفير ملاذات آمنة للصحفيين والصحفيات (مقابلة بالتليفون 21 يوليو 2023)
الصحفيات وخطر العنف الموجه على اساس النوع
قالت صحفية تعمل كمراسلة لصحفية خارجية : بعد الحرب صارت الحركة للمراسلين والمراسلات لصحف خارجية محدودة نسبة للمخاطر الامنية التي تواجههم خاصة بالنسبة للصحفيات ، فهن اكثر عرضة للعنف بكل اشكاله ،مما يحد من حركة الصحفيات وينعكس كل ذلك على حرية التعبير ،فاطراف الحرب لا ترغب في حرية الحركة للصحفيين والصحفيات خوفا من كشف الانتهاكات الانسانية اثناء الحرب (تم اجراء المقابلة بالتليفون 21 يوليو 2023)
اثر غياب المهنية والمعلومات المضللة
الضرر الذى لحق بالمؤسسات الاعلامية والصحفيين والصحفيات افسح المجال لظهور معلومات مضللة في مواقع التواصل الاجتماعي من قبل طرفي الحرب ، حيث اشار مركز «بيم ريبورتس»، المتخصص في التحقيق بتدفق المعلومات المضللة في تقرير نشره بالتزامن مع اندلاع المعارك في السودان، منتصف أبريل (نيسان) 2023، إلى (إغراق مواقع التواصل الاجتماعي بسيل من المعلومات المضللة من جانب طرفي الصراع)
وتم استخدام وتوظيف الفضاء الإلكتروني في الحشد والتعبئة للحرب، من قبل اطراف الحرب انفسهم ومن يتحالفون معهم ، واستشراء خطاب الكراهية والعنصرية ، وبث مقالات واراء واخبار مجهولة المصدر ذات مضمون يحرض على العنف والقتل عبر فيديوهات مفبركة ،تتضمن مشاهد دموية بغرض استثارة الغضب تجاه قبائل او اثنيات او فئات اجتماعية على اساس مناطقي او النوع او العمل او الجهة ، ولعب كل ذلك دورا اساسيا في تغييب الرأي العام عن المعلومات الحقيقية عن ما يدور في ساحات المعارك، والدمار الهائل للمؤسسات العامة والخاصة ومسؤولية كل طرف من اطراف الحرب عن الانتهاكات البشعة ضد الانسانية التي تحدث في العاصمة وولايات دارفور ..والارهاب للمعارضين للحرب من قبل القوى المدنية والسياسية والصحفيين والصحفيات
ومن ذلك يتضح ان اطراف الحرب لم يكن موقفهم المعادي لحرية التعبير والصحافة من فراغ، بل موقف ينسجم مع اهداف الحرب ضد قيام الدولة المدنية الديمقراطية .
الحروب الإلكترونية وخطاب الكراهية /مبحث اخر
حظر صفحة مستشار حميدتي “يوسف عزت” على فيسبوك
حسب اليوم التالي 31/8/2023