آلاف السجناء في السودان طلقاء واتهامات متبادلة بالمسؤولية.. ما القصة؟
الخرطوم : مزدلفة عثمان
وجد آلاف السجناء في عدد من السجون المركزية بالعاصمة السودانية أنفسهم أحرارا بعد هجوم مسلح لقوات ترتدي زي الدعم السريع على عدد من السجون في البلاد، كامتداد فيما يبدو لصراع عنيف بين هذه القوات والجيش السوداني، خلّف خسائر بشرية كبيرة ودمارا واسعا في البنى التحتية والمرافق الحيوية.
ورغم أن قوات الدعم السريع سارعت لنفي صلتها بالهجوم على سجن “الهدى” الواقع في شمال الخرطوم، وتحرير السجناء، لكن شهادة بعض الفارين أكدت أن المهاجمين كانوا ينتمون للقوة التي تقاتل الجيش منذ أكثر من أسبوع، وأنهم كانوا يبحثون عن رفاق لهم تم احتجازهم في قضايا سابقة.
ويعد “الهدى” ثاني أكبر السجون في الخرطوم، وصُمم لاستيعاب 10 آلاف نزيل، وجرى تخصيصه لحبس الموقوفين على ذمة تعاملات مالية غير مستوفية (شيكات دون رصيد)، قبل أن يضم إليهم المحكومون والموقوفون على ذمة قضايا جنائية ذات الصلة بالمخدرات والسرقة والقتل، وهو بذلك يعد محبسا لعتاة المجرمين.
واتهم قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، قوات الدعم السريع بارتكاب انتهاكات وتجاوزات على نطاق واسع، وقال في أحدث تصريحات له أمس السبت إن مجموعة من الدعم السريع اقتحمت سجن الهدى وقتلت حراسه، كما شدد المتحدث باسم الجيش -في بيان- على “أن الاعتداء على السجون وإطلاق سراح النزلاء يشكل تهديدا للأمن ويوضح حالة عدم الانضباط التي وصلت إليها القوات المتمردة، ويطرح تساؤلات كثيرة عن الهدف من هذه الخطوة”.
في المقابل، سارع قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) لتأكيد عدم صلة قواته بالهجوم على السجون، وقبلها نفى مكتبه الإعلامي ما أسماه “المزاعم المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي بشأن اقتحام القوات لأحد السجون وإطلاق سراح السجناء”.
وأضاف “الانقلابيون وأعوانهم من الفلول نشطوا في حملة أكاذيب وشائعات مضللة للتغطية على هزائمهم في أرض المعركة”، متهما قوات الجيش بارتداء زي قوات الدعم السريع تنفيذ أعمال إجرامية وإلصاق التهمة بالدعم السريع.
غير أن سجن “الهدى” لم يكن الوحيد الذي فر نزلاؤه، ففي أم درمان خرجت مئات النساء من السجن بعد تعرضه للقصف خلال اشتباكات عنيفة وقعت في محيط مبنى الإذاعة والتلفزيون غير البعيد من سجن “التائبات”، ورصدت الجزيرة نت صفا طويلا من النسوة الهاربات على أحد الشوارع الجانبية، دون أن يخفى عن ملامحهن القلق والخوف، فصوت الاشتباكات كان يحيط بالمكان لكنهن فضلن على ما يبدو مواجهة الرصاص بالخارج بدل البقاء بين جدران الحبس.
تمرد وحرية
وفي ضاحية سوبا شرقي الخرطوم، حيث ثالث السجون الكبيرة، قاد السجناء تمردا عاصفا منذ صباح السبت احتجاجا على انعدام الطعام والمياه 3 أيام، وبحسب شهود تحدثوا للجزيرة نت فإن النزلاء اشتبكوا مع مسؤولي الشرطة وقتلوا عددا منهم “قبل أن تأتي قوة من الدعم السريع مساء السبت وتفتح الأبواب أمام السجناء للهرب”، وفقا لشهود عيان.
وبحسب شهادة أحد الفارين في مقطع فيديو، فإن عدد الذين خرجوا من سجن سوبا بلغ 6 آلاف نزيل، ولم تصدر وزارة الداخلية أي توضيحات بشأن هذه الأحداث كما لم يرد المسؤولين على استفسارات بشأن أحداث سجن سوبا.
ومع توالي الأنباء عن فرار النزلاء اتجهت الأنظار صوب سجن “كوبر” المركزي حيث عدد كبير من المتهمين والمحكومين، وعلى رأسهم قادة النظام السابق الذين يحاكمون بتهم تقويض النظام والاستيلاء على الحكم في العام 1989.
وتحدثت تقارير صحفية نشرت السبت عن شن قوة من الدعم السريع الثلاثاء الماضي هجوما على سجن كوبر من الناحية التي يحتجز فيها قادة النظام السابق.
ونقلت صحيفة “السوداني” أن الهجوم استهدف خطف قادة النظام المعزول من السجن، لكن قوة الحماية المرابطة تمكنت من صده، وتولت قيادة الجيش تعزيز الحراسة على السجن تحسبا لهجمات أخرى على السجن الواقع في الخرطوم بحري.
يشار إلى أن الرئيس السابق عمر البشير وعدد من كبار معاونيه نقلوا في وقت سابق إلى مستشفى تابع للجيش بناء على توصية طبية.
في انتظار العدالة
وبعد ساعات من فرار النزلاء في سجن الهدى، سارعت هيئة الدفاع عن المتهمين في قضية مقتل العميد بالشرطة السودانية علي بريمة لإصدار بيان شجبت فيه الحادثة.
وقال محامي في الهيئة للجزيرة نت إن التصرف يعكس مستوى الفوضى الذي وصلت إليه الأوضاع بسبب القتال بين الجيش والدعم السريع، وإن خروج آلاف المجرمين وسط هذه الظروف من شأنه أن يؤدي لتداعيات أمنية خطيرة، مؤكدا عدم معرفتهم بمصير موكلهم محمد آدم الشهير بـ”توباك” الذي كان من بين النزلاء.
ولاحقا أبلغت نضال سليمان -والدة المتهم- الجزيرة نت أن نجلها وصل المنزل بعد ساعات طويلة من السير على الأقدام، وأفادت بأنهم قرروا التحفظ عليه في مكان آمن لحين استقرار الأوضاع بما يتيح مثوله أمام المحكمة ومواصلة القضية.
وقالت إنهم ذهبوا إلى 3 أقسام شرطة بأم درمان لفتح بلاغ عن أن توباك ليس هاربا، وأن ضباط القسم أبلغوها بعدم وجود نيابة تعمل هذه الأيام، وأن على ابنها الحضور يوم استئناف جلسات المحكمة.
وروى “توباك” في مقطع فيديو أن قوات من الدعم السريع هاجمت السجن وأخلت سبيل جميع النزلاء مقدرا عددهم بحوالي 7 آلاف سجين، وأكد أنه لن يستغل الحادثة للهرب وسيعود إلى الحبس لحين إكمال القضية وتأكيد براءته ورفاقه من تهمة قتل المسؤول الشرطي الذي كان لقي حتفه أثناء احتجاجات نظمتها لجان المقاومة ضد الحكم العسكري بمحيط القصر الرئاسي في يناير/ كانون الثاني 2022.